الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٤٦٩
وذلك أن الله قال * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) * وقال * (أفلا يتدبرون القرآن) * وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحونه فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليل جدا وهو وإن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم 6291 ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة وربما تكلموا في بعض ذلك بالإستنباط والاستدلال والخلاف بين السلف في التفسير قليل وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى إختلاف تنوع لا إختلاف تضاد وذلك صنفان أحدهما أن يعبر واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع إتحاد المسمى كتفسيرهم (الصراط المستقيم) بعض بالقرآن أي اتباعه وبعض بالإسلام فالقولان متفقان لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر كما أن لفظ (صراط) يشعر بوصف ثالث وكذلك قول من قال هو السنة والجماعة وقول من قال هو طريق العبودية وقول من قال هو طاعة الله ورسوله وأمثال ذلك فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها 6292 الثاني أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه مثاله ما نقل في قوله تعالى * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا) * الآية فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات والمنتهك للحرمات والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات فالمقتصدون أصحاب اليمين والسابقون السابقون أولئك المقربون 6293 ثم إن كلا منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات كقول القائل
(٤٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»