تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٩٢
الجمهور: * (لتؤمنوا) *، وما عطف عليه بتاء الخطاب؛ وأبو جعفر، وأبو حيوة، وابن كثير، وأبو عمرو: بياء الغيبة؛ والجحدري: بفتح التاء وضم الزاي خفيف؛ وهو أيضا، وجعفر بن محمد كذلك، إلا أنهم كسروا الزاي؛ وابن عباس، واليماني: بزاءين من العزة؛ وتقدم الكلام في وعزروه في الأعراف. والظاهر أن الضمائر عائدة على الله تعالى، وتفريق الضمائر يجعلها للرسول صلى الله عليه وسلم)، وبعضها لله تعالى، حيث يليق قول الضحاك. * (بكرة وأصيلا) *، قال ابن عباس: صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر.
* (إن الذين يبايعونك) *: هي بيعة الرضوان وبيعة الشجرة، حين أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم) الأهبة لقتال قريش، حين أرجف بقتل عثمان بن عفان، فقد بعثه إلى قريش يعلمهم أنه جاء معتمرا لا محاربا، وذلك قبل أن ينصرف من الحديبية، بايعهم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد، ولذلك قال سلمة بن الأكوع وغيره: بايعنا على الموت. وقال ابن عمر، وجابر: على أن لا نفر. والمبايعة: مفاعلة من البيع، * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) *، وبقي اسم البيعة بعد على معاهدة الخلفاء والملوك. * (إنما يبايعون الله) * أي صفقتهم، إنما يمضيها ويمنح الثمن الله عز وجل. وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب: إنما يبايعون لله، أي لأجل الله ولوجهه؛ والمفعول محذوف، أي إنما يبايعونك لله.
* (يد الله فوق أيديهم) *. قال الجمهور: اليد هما النعمة، أي نعمة الله في هذه المبايعة، لما يستقبل من محاسنها، فوق أيديهم التي مدوها لبيعتك. وقيل: قوة الله فوق قواهم في نصرك ونصرهم. وقال الزمخشري: لما قال: * (إنما يبايعون الله) *، أكد تأكيدا على طريقة التخييل فقال: * (يد الله فوق أيديهم) *، يريد أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم) التي تعلو يدي المبايعين، هي يد الله، والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام. وإنما المعنى: تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم) كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما، كقوله تعالى: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) *، و * (من * نكث فإنما ينكث على نفسه) *، فلا يعود ضرر نكثه إلا على نفسه. انتهى. وقرأ زيد بن علي: ينكث، بكسر الكاف. وقال جابر بن عبد الله: ما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس، زكان منافقا، اختبأ تحت إبط بعيره، ولم يسر مع القوم فحرم. وقرأ الجمهور: * (عليه الله) *: بنصب الهاء. وقرئ: بما عهد ثلاثيا. وقرأ الحميدي: * (فسيؤتيه) *؛ بالياء؛ والحرميان، وابن عامر، وزيد بن علي: بالنون. * (أجرا عظيما) *: وهي الجنة، وأو في لغة تهامه، قوله عز وجل:
* (سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم قل فمن يملك) *.
قال مجاهد وغيره: ودخل كلام بعضهم في بعض. * (المخلفون من الاعراب) *: هم جهينة، ومزينة، وغفار، وأشجع، والديل، وأسلم. استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا، ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت؛ وأحرم هو صلى الله عليه وسلم)، وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد حربا، ورأى
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»