المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع، يعني أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك، والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به، وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه، ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه، وهما إماطة الجوع وإفادة القوة، والسمن في البدن، انتهى. فقوله: مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع. أما جره على وصفه لضريع فيصح، لأنه مثبت منفي عنه السمن والإغناء من الجوع. وأما رفعه على وصفه لطعام فلا يصح، لأن الطعام منفي ولا يسمن، منفي فلا يصح تركيبه، إذ يصير التقدير: ليس لهم طعام لا يسمن ولا يغني من جوع إلا من ضريع، فيصير المعنى: أن لهم طعاما يسمن ويغني من جوع من غير ضريع، كما تقول: ليس لزيد مال لا ينتفع به إلا من مال عمرو، فمعناه أن له مالا ينتفع به من غير مال عمرو. ولو قيل: الجملة في موضع رفع صفة للمحذوف المقدر في * (إلا من ضريع) * كان صحيحا، لأنه في موضع رفع على أنه بدل من اسم ليس، أي ليس لهم طعام إلا كائن من ضريع، إذ الإطعام من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع، وهذا تركيب صحيح ومعنى واضح، وقال الزمخشري: أو أريد أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع وأسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول: ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد نفي الظل على التوكيد. انتهى. فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، إذ لم يندرج الكائن من الضريع تحت لفظة طعام، إذ ليس بطعام. والظاهر الاتصال فيه. وفي قوله: * (ولا طعام إلا من غسلين) *، لأن الطعام هو ما يتطعمه الإنسان، وهذا قدر مشترك بين المستلذ والمكروه وما لا يستلذ ولا يستكره.
* (وجوه يومئذ ناعمة) *: صح الابتداء في هذا وفي قوله: * (وجوه يومئذ خاشعة) * بالنكرة لوجود مسوغ ذلك وهو التفصيل، ناعمة لحسنها ونضارتها أو متنعمة. * (لسعيها راضية) *: أي لعملها في الدنيا بالطاعة، راضية إذا كان ذلك العمل جزاؤه الجنة. * (فى جنة عالية) *: أي مكانا ومكانة. وقرأ الأعرج وأهل مكة والمدينة ونافع وابن كثير وأبو عمرو بخلاف عنهم. * (لا تسمع) * مبنيا للمفعول، * (لاغية) *: رفع، أي كلمة لاغية، أو جماعة لاغية، أو لغو، فيكون مصدرا كالعاقبة، ثلاثة أقوال، الثالث لأبي عبيدة وابن محيصن وعيسى وابن كثير وأبو عمرو كذلك، إلا أنهم قرأوا بالياء لمجاز التأنيث، والفضل والجحدري كذلك، إلا أنه نصب لاغية على معنى لا يسمع فيها، أي أحد من قولك: أسمعت زيدا؛ والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر وقتادة وابن سيرين ونافع في رواية خارجة وأبو عمرو بخلاف عنه؛ وباقي السبعة: لا تسمع بتاء الخطاب عموما، أو للرسول عليه الصلاة والسلام، أو الفاعل الوجود. لاغية: بالنصب، * (فيها عين جارية) *: عين اسم جنس، أي عيون، أو مخصوصة ذكرت تشريفا لها. * (فيها سرر مرفوعة) *: من رفعة المنزلة أو رفعة المكان ليرى ما خوله ربه من الملك والنعيم، أو مخبوءة من رفعت لك هذا، أي خبأته.) * وأكواب موضوعة) *: أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء، أو موضوعة بين أيديهم، أو موضوعة على حافات العيون. * (*) * وأكواب موضوعة) *: أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء، أو موضوعة بين أيديهم، أو موضوعة على حافات العيون. * (*) *: أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء، أو موضوعة بين أيديهم، أو موضوعة على حافات العيون. * (ونمارق مصفوفة) *: أي وسائد صف بعضها إلى جنب بعض للاستناد إليها والاتكاء عليها. * (وزرابي) *: متفرقة هنا وهنا في المجالس.
ولما ذكر تعالى أمر القيامة وانقسام أهلها إلى أشقياء وسعداء، وعلم أنه لا سبيل إلى إثبات ذلك إلا بواسطة الصانع الحكيم، أتبع ذلك بذكره هذه الدلائل، وذكر ما العرب مشاهدوه وملابسوه دائما فقال: * (مبثوثة أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) *، وهي الجمال، فإنه اجتمع فيها ما تفرق من المنافع في غيرها، من أكل لحمها، وشرب لبنها، والحمل عليها، والتنقل عليها إلى البلاد الشاسعة، وعيشها بأي نبات أكلته، وصبرها على العطش حتى أن فيها ما يرد الماء لعشر، وطواعيتها لمن يقودها، ونهضتها وهي باركة بالأحمال الثقال، وكثرة جنينها، وتأثرها بالصوت الحسن على غلظ أكبادها، وهي لا شيء من الحيوان جميع هذه الخصال غيرها. وقد أبان تعالى امتنانه عليهم بقوله: * (أو لم * يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما) *، الآيات. ولكونها أفضل ما عند الغرب، جعلوها دية القتل، ووهبوا المائة منها من يقصدهم ومن أرادوا إكرامه، وذكرها الشعراء في مدح من وهبها، كما قال:
أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية وقال آخر:
الواهب المائة الهجان برمتها