تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٥٧
* كهولا وشبانا حسانا وجوههم * على سرر مصفوفة ونمارق * الزرابي: بسط عراض فاخرة. وقال الفراء: هي الطنافس المخملة، وواحدها زريبة بكسر الزاي وبفتحها. سطحت الأرض: بسطت ووطئت.
* (هل أتاك حديث الغاشية * وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين ءانية * ليس لهم طعام إلا من ضريع * لا يسمن ولا يغنى من جوع * وجوه يومئذ ناعمة * لسعيها راضية * فى جنة عالية * لا تسمع فيها لاغية * فيها عين جارية * فيها سرر مرفوعة * وأكواب موضوعة * ونمارق مصفوفة * وزرابي مبثوثة * أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الارض كيف سطحت * فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الاكبر * إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم) *.
هي مكية. ولما ذكر فيما قبلها * (فذكر) *، وذكر النار والآخرة، قال: * (هل أتاك حديث الغاشية) *. والغاشية: الداهية التي تغشى الناس بشدائدها يوم القيامة، قاله سفيان والجمهور. وقال ابن جبير ومحمد بن كعب: النار، قال تعالى: * (وتغشى وجوههم النار) *. وقال: * (ومن فوقهم غواش) *، فهي تغشى سكانها. وهذا الاستفهام توقيف، وفائدته تحريك نفس السامع إلى تلقي الخبر. وقيل: المعنى هل كان هذا من عملك لولا ما علمناك؟ وفي هذا تعديد النعمة. وقيل: هل بمعنى قد. * (وجوه يومئذ) *: أي يوم إذ غشيت، والتنوين عوض من الجملة، ولم تتقدم جملة تصلح أن يكون التنوين عوضا منها، لكن لما تقدم لفظ الغاشية، وأل موصولة باسم الفاعل، فتنحل للتي غشيت، أي للداهية التي غشيت. فالتنوين عوض من هذه الجملة التي انحل لفظ الغاشية إليها، وإلى الموصول الذي هو التي. * (خاشعة) *: ذليلة. * (عاملة ناصبة) *، قال ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة: * (عاملة) * في النار، * (ناصبة) * تعبة فيها لأنها تكبرت عن العمل في الدنيا. قيل. وعملها في النار جر السلاسل والأغلال، وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل، وارتقاؤها دائبة في صعود نار وهبوطها في حدور منها. وقال ابن عباس أيضا وزيد بن أسلم وابن جبير: عاملة في الدنيا ناصبة فيها لأنها على غير هدى، فلا ثمرة لها إلا النصب وخاتمته النار؛ والآية في القسيسين وعباد الأوثان وكل مجتهد في كفره. وقال عكرمة والسدي: عاملة ناصبة بالنصب على الذم، والجمهور برفعهما.
وقرأ: * (تصلى) * بفتح التاء؛ وأبو رجاء وابن محيصن والأبوان: بضمها؛ وخارجة: بضم التاء وفتح الصاد مشدد اللام، وقد حكاها أبو عمرو بن العلاء * (حامية) *: مسعرة آنية قد انتهى حرها، كقوله: * (وبين حميم ءان) *، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد. وقال ابن زيد: حاضرة لهم من قولهم: آنى الشيء حضر. والضريع، قال ابن عباس: شجر من نار. وقال الحسين: وجماعة الزقوم. وقال ابن جبير: حجارة من نار. وقال ابن عباس أيضا وقتادة وعكرمة ومجاهد: شبرق النار. وقيل: العبشرق. وقيل: رطب العرفج، وتقدم ما قيل فيه في المفردات. وقيل: واد في جهنم. والضريع، إن كان الغسلين والزقوم، فظاهر ولا يتنافى الحصر في * (إلا من غسلين) *، و * (إلا من) * ضريع. وإن كانت أغيارا مختلفة، والجمع بأن الزقوم لطائفة، والغسلين لطائفة، والضريع لطائفة.
وقال الزمخشري: * (لا يسمن) * مرفوع
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»