قسم ومقسم عليه، وهنا ليست واقعة بين شيئين مما ذكر وقوله الخ. حتى صار معناها فيه دسيسة الاعتزال. وقال ابن عطية: والزكاة هنا يحتمل أن تكون غير المفروضة؛ لأن السورة مكية قديمة، ويحتمل أن تكون المفروضة من غير تفسير. وقيل: الزكاة هنا بمعنى الطهارة من النقائص وملازمة مكارم الأخلاق. انتهى.
ولما ذكر تعالى المؤمنين الموقنين بالبعث، ذكر المنكرين والإشارة إلى قريش ومن جرى مجراهم في إنكار البعث. والأعمال، إما أن تكون أعمال الخير والتوحيد التي كان الواجب عليهم أن تكون أعمالهم، فعموا عنها وترددوا وتجيزوا، وينسب هذا القول إلى الحسن البصري؛ أو أعمال الكفر والضلال، فيكون تعالى قد حبب ذلك إليهم وزينه بأن خلقه في نفوسهم، فرأوا تلك الأعمال القبيحة حسنة. وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف أسند تزين أعمالهم إلى ذاته، وأسنده إلى الشيطان في قوله: * (وزين لهم الشيطان أعمالهم) *؟ قلت: بين الإسنادين فرق، وذلك أن إسناده إلى الشيطان حقيقة، وإسناده إلى الله تعالى مجاز، وله طريقان في علم البيان: أحدهما: أن يكون من المجاز الذي يسمى الاستعارة. والثاني: أن يكون من المجاز المحكي.
فالطريق الأول: أنه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق، وجعلوا إنعام الله عليهم بذلك وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم وبطرهم وإيثارهم الترفه ونفارهم عما يلزمهم فيه التكاليف الصعبة والمشاق المتعبة، فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم، وإليه إشارة الملائكة بقولهم: * (ولاكن متعتهم وءاباءهم حتى نسوا الذكر) *. * (* والطريق الثاني) *: أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين فأسند إليه، لأنه المختار المحكي ببعض الملابسات. انتهى، وهو تأويل على طريق الاعتزال.
* (وكذبوا بئاياتنا أولائك) *: إشارة إلى منكري البعث، و * (سوء العذاب) *: الظاهر أنه ليس مقيدا بالدنيا، بل لهم ذلك في الدنيا والآخرة. وقيل: المعنى في الدنيا، وفسر بما نالهم يوم بدر من القتل والأسر والنهب. وقيل: ما ينالونه عند الموت وما بعده من عذاب القبر. وسوء العذاب: شدته وعظمه. والظاهر أن * (الاخسرون) * أفعل التفضيل، وذلك أن الكافر خسر الدنيا والآخرة، كما أخبر عنه تعالى، وهو في الآخرة أكثر خسرانا، إذ مآله إلى عقاب دائم. وأما في الدنيا، فإذا أصابه بلاء، فقد يزول عنه وينكشف. فكثرة الخسران وزيادته، إنما ذلك له في الآخرة، وقد ترتب الأكثرية، وإن كان المسند إليه واحدا بالنسبة إلى الزمان والمكان، أو الهيئة، أو غير ذلك مما يقبل الزيادة. وقال الكرماني: أفعل هنا للمبالغة لا للشركة، كأنه يقول: ليس للمؤمن خسران البتة حتى يشركه فيه الكافر ويزيد عليه، وقد بينا كيفية الاشتراك بالنسبة إلى الدنيا والآخرة. وقال ابن عطية: والأخسرون جمع أخسر، لأن أفعل صفة لا يجمع إلا أن يضاف، فتقوى رتبته في الأسماء، وفي هذا نظر. انتهى. ولا نظر في كونه يجمع جمع سلامة وجمع تكسير. إذا كان بأل، بل لا يجوز فيه إلا ذلك، إذا كان قبله ما يطابقه في الجمعية فيقول: الزيدون هم الأفضلون، والأفاضل، والهندات هن الفضليات والفضل. وأما قوله: لا يجمع إلا أن يضاف، فلا يتعين إذ ذاك جمعه، بل إذا أضيف إلى نكرة فلا يجوز جمعه، وإن أضيف إلى معرفة جاز فيه الجمع والإفراد على ما قرر ذلك في كتب النحو.
ولما تقدم: * (تلك ءايات القرءان) *، خاطب نبيه بقوله: * (وأنك) *، أي هذا القرآن الذي تلقيته هو من عند الله تعالى، وهو الحكيم العليم، لا كما ادعاه المشركون من أنه إفك وأساطير وكهانة وشعر، وغير ذلك من تقولاتهم. وبنى