نهاه عن التكبر بعد التواضع. والأجدل: الصقر، ومن المؤمنين عام في عشيرته وغيرهم. ولما كان الإنذار يترتب عليه إما الطاعة وإما العصيان، جاء التقسيم عليهما، فكان المعنى: أن من اتبعك مؤمنا، فتواضع له؛ فلذلك جاء قسيمه: * (فإن عصوك) * فتبرأ منهم ومن أعمالهم. وفي هذا موادعة نسختها آية السيف. والظاهر عود الضمير المرفوع في عصوك، على أن من أمر بإنذارهم، وهم العشيرة، والذي برئ منه هو عبادتهم الأصنام واتخاذهم إلها آخر. وقيل: الضمير يعود على من اتبعه من المؤمنين، أي فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام، بعد تصديقك والإيمان بك، * (فقل إنى برىء مما تعملون) *، لا منكم، أي أظهر عدم رضاك بعملهم وإنكارك عليهم. ولو أمره بالبراءة منهم، ما بقي بعد هذا شفيعا للعصاة، ثم أمره تعالى بالتوكل. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو جعفر، وشيبة: فتوكل بالفاء، وباقي السبعة: بالواو. وناسب الوصف بالعزيز، وهو الذي لا يغالب، والرحيم، وهو الذي يرحمك. وهاتان الصفتان هما اللتان جاءتا في أواخر قصص هذه السورة. فالتوكل على من هو بهذين الوصفين كافية شر من بعضه من هؤلاء وغيرهم، فهو يقهر أعداءك بعزته، وينصرك عليهم برحمته. والتوكل هو تفويض الأمر إلى من يملك الأمر ويقدر عليه. ثم وصف بأنه الذي أنت منه بمرأى، وذلك من رحمته بك أن أهلك لعبادته، وما تفعله من تهجدك. وأكثر المفسرين منهم ابن عباس، على أن المعنى حين تقوم إلى الصلاة.
وقرأ الجمهور: * (وتقلبك) * مضارع قلب مشددا، عطفا على * (يراك) *. وقال مجاهد وقتادة: * (فى الساجدين) *: في المصلين. وقال ابن عباس: في أصلاب آدم ونوح وإبراهيم حتى خرجت. وقال عكرمة: يراك قائما وساجدا. وقيل: معنى * (تقوم) *: تخلو بنفسك. وعن مجاهد أيضا: المراد تقلب بصره فيمن يصلي خلفه، كما قال: (أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلفي). وفي الوجيز لابن عطية: ظاهر الآية أنه يريد قيام الصلاة، ويحتمل أن يريد سائر التصرفات، وهو تأويل مجاهد وقتادة. وفي الساجدين: أي صلاتك مع المصلين، قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما. وقال ابن عباس أيضا، وقتادة: أراد وتقلبك في المؤمنين، فعبر عنهم بالساجدين. وقال ابن جبير: أراد الأنبياء، أي تقلبك كما تقلب غيرك من الأنبياء. وقال الزمخشري: ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد، وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون، ويستبطن سرائرهم وكيف يعملون لآخرتهم. كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل، طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون، بحرصه عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطاعات وتكثير الحسنات، فوجدها كبيوت الزنابير، لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتلاوة. والمراد بالساجدين: المصلون. وقيل: معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة، وتقلبه في الساجدين: تصرفه فيما بينهم لقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم. وعن مقاتل، أنه سأل أبا حنيفة رضي الله عنه: هل تجد الصلاة في الجماعة في القرآن؟ فتلا هذه الآية. ويحتمل أن لا يخفى على حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين. انتهى.
* (إنه هو السميع) * لما تقوله، * (العليم) * بما تنوبه وتعمله، وذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم) كانوا مؤمنين، واستدلوا بقوله تعالى: * (وتقلبك فى الساجدين) * قالوا: فاحتمل الوجوه التي ذكرت، واحتمل أن