لما ذكر أن الممتعين في الدنيا يحضرون إلى النار، ذكر شيئا من أحوال يوم القيامة، أي واذكر حالهم يوم يناديهم الله، ونداؤه إياهم يحتمل أن يكون بواسطة وبغير واسطة؛ * (فيقول أين شركائى) *؟ أي على زعمكم، وهذا الاستفهام على جهة التوبيخ والتقريع؛ والشركاء هم من عبدوه من دون الله، من ملك، أو جن، أو إنس، أو كوكب، أو صنم، أو غير ذلك. ومفعولا * (تزعمون) * محذوفان، أحدهما العائد على الموصول، والتقدير: تزعمونهم شركاء. ولما كان هذا السؤال مسكتا لهم، إذ تلك الشركاء التي عمدوها مفقودون، هم أوجدوا هم في الآخرة حادوا عن الجواب إلى كلام لا يجدي.
* (قال الذين حق عليهم القول) *: أي الشياطين، وأئمة الكفر ورؤوسه؛ وحق: أي وجب عليهم القول، أي مقتضاه، وهو قوله: * (لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين) *. و * (هؤلاء) *: مبتدأ، و * (الذين أغوينا) *: هم صفة، و * (أغويناهم كما غوينا) *: الخبر، و * (كما غوينا) *: صفة لمطاوع أغويناهم، أي فغووا كما غوينا، أي تسببنا لهم في الغي فقبلوا منا. وهذا الإعراب قاله الزمخشري. وقال أبو علي: ولا يجوز هذا الوجه، لأنه ليس في الخبر زيادة على ما في صفة المبتدأ. قال: فإن قلت: قد وصلت بقوله: * (كما غوينا) *، وفيه زيادة. قيل: الزيادة بالظرف لا تصيره أصلا في الجملة، لأن الظروف صلات، وقال هو: * (الذين أغوينا) * هو الخبر، و * (أغويناهم) *: مستأنف. وقال غير أبي علي: لا يمتنع الوجه الأول، لأن الفضلات في بعض المواضع تلزم، كقولك: زيد عمرو قائم في داره. انتهى. والمعنى: هؤلاء أتباعنا آثروا الكفر على الإيمان، كما آثرناه نحن، ونحن كنا السبب في كفرهم، فقبلوا منا. وقرأ أبان، عن عاصم وبعض الشاميين: كما غوينا، بكسر الواو. قال ابن خالويه: وليس ذلك مختارا، لأن كلام العرب: غويت من الضلالة، وغويت من البشم. ثم قالوا: * (تبرأنا إليك) *، منهم ما كانوا يعبدوننا، إنما عبدوا غيرنا، و * (إيانا) *: مفعول * (يعبدون) *، لما تقدم الفصل، وانفصاله لكون يعبدون فاصلة، ولو اتصل، ثم لم يكن فاصلة. وقال الزمخشري: إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم؛ وإخلاء الجملتين من العاطف، لكونهما مقرونين لمعنى الجملة الأولى. انتهى.
* (وقيل ادعوا شركاءكم) *: لما سئلوا ابن شركاؤكم وأجابوا بغير جواب، سئلوا ثانيا فقيل: ادعوا شركاءكم، وأضاف الشركاء إليهم، أي الذين جعلتموهم شركاء لله. وقوله: * (ادعوا شركاءكم) *، على سبيل التهكم بهم، لأنه يعلم أنه لا فائدة في دعائهم، * (فدعوهم) *، هذا لسخافة عقولهم في ذلك الموطن أيضا، إذ لم يعلموا أن من كان موجودا منهم في ذلك الموطن لا يجيبهم، والضمير في * (ورأوا) *. قال الضحاك ومقاتل: هو للتابع والمتبوع، وجواب لو محذوف، والظاهر أن يقدر مما يدل عليه مما يليه، أي لو كانوا مؤمنين في الدنيا، ما رأوا العذاب في الآخرة. وقيل: التقدير: لو كانوا مهتدين بوجه من وجوه الحيل، لدفعوا به العذاب . وقيل: لعلموا أن العذاب حق. وقيل: لتحيروا عند رؤيته من فظاعته، وإن لم يعذبوا به، وقيل: ما كانوا في الدنيا عابدين الأصنام. وقال أبو عبد الله الرازي: وعندي أن الجواب غير محذوف، وفي تقريره وجوه: أحدها: أن الله إذا خاطبهم بقوله: * (ادعوا شركاءكم) *، اشتد خوفهم ولحقهم شيء بحيث لا يبصرون شيئا، لا جرم ما رأوا العذاب. وثانيها: لما ذكر الشركاء، وهي الأصنام، وأنهم لا يجيبون الذين دعوهم، قال في حقهم: * (ورأوا العذاب) *، لو كانوا من الأحياء المهتدين، ولكنها ليست كذلك، ولا جرم ما رأت العذاب. والضمير في رأوا، وإن كان للعقلاء، فقد قال: ودعوهم وهم للعقلاء. انتهى، وفيه بعض تلخيص. وقد أثنى على هذا الذي اختاره، وليس بشيء، لأنه بناه على أن الضمير