وهي الطريقة المستقيمة. ما كانوا يستطيعون السمع أخبار عن حالهم في الدنيا على سبيل المبالغة يعني: السمع للقرآن، ولما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم). وما كانوا يبصرون أي: ينظرون إليه لبغضهم فيه. ألا ترى إلى حشو الطفيل بن عمرو أذنيه من الكرسف، وإباية قريش أن يسمعوا ما نقل إليهم من كلام الرسول حتى تردهم عن ذلك مشيختهم؟ أو أخبار عن حالهم إذا ضعف لهم العذاب أي: أنه تعالى حتم عليهم بذلك، فهم لا يسمعون لذلك سماعا ينتفعون به، ولا يبصرون لذلك. وقيل: الضمير في كانوا عائد على أولياؤهم آلهتهم أي: فما كان لهم في الحقيقة من أولياء وإن كانوا يعتقدون أنهم أولياء. ويعني أنه من لا يستطيع أن يسمع ولا يبصر فكيف يصلح للولاية؟ ويكون يضاعف لهم العذاب اعتراضا، وما على هذه الأقوال نفي. وقيل: ما مصدرية أي: يضاعف لهم العذاب مدة استطاعتهم السمع وأبصارهم، والمعنى: أن العذاب وتضعيفه دائم لهم متماد. وأجاز الفراء أن تكون ما مصدرية، وحذف حرف الجر منها كما يحذف مع إن وأن أختيها، وهذا فيه بعد في اللفظ وفي المعنى. وقال الزمخشري: أراد أنهم لفرط تصامهم عن اتباع الحق وكراهتهم له كأنهم لا يستطيعون السمع، ولعل بعض المجبرة يتوثب إذا عثر عليه فيوعوع به على أهل العدل، كأنه لم يسمع الناس يقولون في كل لسان هذا الكلام لا أستطيع أسمعه، وهذا مما يمجه سمعي انتهى. يعني: أنه يمكن أن يستدل به على أن العبد لا قدرة له، لأن الله تعالى قد نفى عنه استطاعة السمع، وإذا انتفت الاستطاعة منه انتفت قدرته. والزمخشري على عادته في السفه على أهل السنة وخسرانهم أنفسهم، كونهم اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى، فخسروا في تجارتهم خسرانا لا خسران أعظم منه. وهو على حذف مضاف أي: راحة أو سعادة أنفسهم، وإلا فأنفسهم باقية معذبة. وبطل عنهم ما افتروه من عبادة الآلهة، وكونهم يعتقدون شفاعتها إذا رأوا أنها لا تشفع ولا تنفع. لا جرم مذهب الخليل وسيبويه أنهما ركبا من لا وجرم، وبنيا، والمعنى: حق، وما بعده رفع به على الفاعلية. وقال الحوفي: جرم منفي بلا بمعنى حق، وهو مبني مع لا في موضع رفع بالابتداء، وأنهم في موضع رفع على خبر جرم. وقال قوم: إن جرم مبنية مع لا على الفتح نحو قولك: لا رجل، ومعناها لا بد ولا محالة. وقال الكسائي: معناها لا ضد ولا منع، فتكون اسم لا وهي مبنية على الفتح كالقول الذي قبله، وتكون جرم هنا من معنى القطع، نقول: جرمت أي قطعت. وقال الزجاج: لا تركيب بينهما ولا رد عليهم. ولما تقدم من كل ما قبلها مما قالوا: إن الأصنام تنفعهم. وجرم فعل ماض معناه كسب، والفاعل مضمر أي كسب، هو أي: فعلهم، وأن وما بعدها في موضع نصب على المفعول به، وجرم القوم كاسبهم. وقال الشاعر:
* نصبنا رأسه في جذع نخل * بما جرمت يداه وما اعتدينا * وقال آخر:
* جريمة ناهض في رأس نيق * ترى لعظام ما جمعت صليبا * ويقال: لا جرم بالكسر، ولا جر يحذف الميم. قال النحاس: وزعم الكسائي أن فيها أربع لغات: لا جرم، ولا عن ذا جرم، ولا أن ذا جرم، قال: وناس من فزارة يقولون: لا جرم. وحكى الفراء فيه لغتين أخريين، قال: بنو عامر يقولون: لا ذا جرم، وناس من العرب يقولون: لا جرم بضم الجمي. وقال الجبائي في نوادره: حكى عن فزارة لا جر والله لا أفعل ذاك، قال: ويقال لا ذا جرم، ولا ذو جرم، ولا عن ذا جرم، ولا أن ذا جرم، ولا أن