به الحجة على الفريقين أولى. وهذا يجري مع قول الجن: * (إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى) * ومع قول النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. وانتصب إماما على الحال، والذي يظهر في تفسير هذه الآية أنه تعالى لما ذكر الكفار وأنهم ليس لهم إلا النار، أعقب بضدهم وهم المؤمنون، وهم الذين على بينة من ربهم، والشاهد القرآن، ومنه عائد على ربه. ويدل على أن الشاهد القرآن ذكر قوله: ومن قبله، أي: ومن قبل القرآن كتاب موسى، فمعناه: أنه تظافر على هدايته شيئان: كونه على أمر واضح من برهان العقل، وكونه يوافق ذلك البرهان هذين الكتابين الإلهيين القرآن والتوراة، فاجتمع له العقل والنقل. والإشارة بأولئك إلى من كان على بينة راعي معنى مع، فجمع والضمير في به يعود إلى التوراة، أو إلى القرآن، أو إلى الرسول، ثلاثة أقوال. والأحزاب جميع الملل قاله: ابن جبير، أو اليهود، والنصارى، قاله قتادة. أو قريش قاله: السدي، أو بنو أمية وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي، وآل أبي طلحة بن عبيد الله، قاله مقاتل. وقال الزمخشري: يعني أهل مكة ومن ضامهم من المتحزبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى. فالنار موعده أي: مكان وعده الذي يصيرون إليه. وقال حسان:
* أوردتمونا حياض الموت ضاحية * فالنار موعدها والموت لاقيها * والضمير في منه عائد على القرآن، وقيل: على الخبر، بأن الكفار موعدهم النار. وقرأ الجمهور: في مرية بكسر الميم، وهي لغة الحجاز. وقرأ السلمي، وأبو رجاء، وأبو الخطاب السدوسي، والحسن: بضمها وهي لغة أسد وتميم والناس أهل مكة قاله: ابن عباس، أو جميع الكفار من شاك وجاهل ومعاند قاله: صاحب العيتان.
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا) *: لما سبق قولهم: أم يقولون افتراه، ذكر أنه لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا، وهم المفترون الذين نسبوا إلى الله الولد، واتخذوا معه آلهة، وحرموا وحللوا من غير شرع الله، وعرضهم على الله بمعنى التشهير لخزيهم والإشارة بكذبهم، وإلا فالطائع والعاصي يعرضون على الله * (وعرضوا على ربك صفا) * والاشهاد: جمع شاهد، كصاحب وأصحاب، أو جمع شهيد كشريف وأشراف، والأشهاد الملائكة الذين يحفظون عليهم أعمالهم في الدنيا، أو الأنبياء، أو هما المؤمنون، أو ما يشهد عليهم من أعضائهم أقوال. وفي قوله: هؤلاء إشارة إلى تحقيرهم وإصغارهم بسوء مرتكبهم. وفي قوله: على ربهم أي: على من يحسن إليهم ويملك نواصيهم، وكانوا جديرين أن لا يكذبوا عليه، وهذا كما تقول إذا رأيت مجرما: هذا الذي فعل كذا وكذا. وتقدم تفسير الجملة بعد هذا. وهم تأكيد لقوله: وهم، وقوله: معجزين، أي كانوا لا يعجزون الله في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم، وما كان لهم من ينصرهم ويمنعهم من العقاب، ولكنه أراد انظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم. قال الزمخشري: وهو كلام الاشهاد يعني: أن كلامهم من قولهم هؤلاء إلى آخر هذه الجملة التي هي وما كان لهم من دون الله من أولياء. وقد يظهر أن قوله تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين من كلام الله تعالى لا على سبيل الحكاية، ويدل لقول الزمخشري قوله: * (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) * الآية فكما أنه من كلام المخلوقين في تلك الآية، فكذلك هنا يضاعف لهم العذاب يشدد ويكثر، وهذا استئناف إخبار عن حالهم في الآخرة، لأنهم جمعوا إلى الكفر بالبعث الكذب على الله، وصد عباده عن سبيل الله، وبغي العوج لها