تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٤٦
* (ما عندى ما تستعجلون به) * الذي استعجلوا به قيل الآيات المقترحة قاله الزجاج. وقيل: العذاب ورجح بأن الاستعجال لم يأت في القرآن إلا للعذاب لأنهم لم يستعجلوا بالآيات المقترحة وبأن لفظ * (وكذبتم به) * يتضمن أنكم واقعتم ما أنتم تستحقون به العذاب إلا أن ذلك ليس لي. قال الزمخشري: يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم: فأمطر علينا حجارة من السماء.
* (إن الحكم إلا لله) * أي الحكم لله على الإطلاق وهو الفصل بين الخصمين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب. وقيل: القضاء بإنزال العذاب وفيه التفويض العام لله تعالى. يقضي الحق هي قراءة العربيين والأخوين أي يقضي القضاء الحق في كل ما يقضى فيه من تأخير أو تعجيل، وضمن بعضهم يقضي معنى ينفذ فعداه إلى مفعول به. وقيل: يقضي بمعنى يصنع أي كل ما يصنعه فهو حق قال الهذلي:
* وعليهما مسدودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع * أي صنعهما وقيل حذف الباء والأصل بالحق، ويؤيده قراءة عبد الله وأبي وابن وثاب والنخعي وطلحة والأعمش يقضي بالحق بياء الجر وسقطت الباء خطأ لسقوطها لفظا لالتقاء الساكنين. وقرأ مجاهد وابن جبير يقضي بالحق.
* (وهو خير الفاصلين) * وفي مصحف عبد الله وهو أسرع الفاصلين. وقرأ ابن عباس والحرميان وعاصم * (يقص الحق) * من قص الحديث كقوله * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * أو من قص الأثر أي اتبعه. وحكى أن أبا عمرو بن العلاء سئل أهو يقص الحق أو يقضي الحق؟ فقال: لو كان يقص لقال وهو خير القاصين أقرأ حد بهذا وحيث قال * (وهو خير الفاصلين) * فإنما يكون الفصل في القضاء؛ انتهى. ولم يبلغ أبا عمرو أنه قرىء بها ويدل على ذلك قوله: أقرأ بها أحد ولا يلزم ما قال، فقد جاء الفصل في القول قال تعالى: إنه لقول فصل وقال: * (الر كتاب أحكمت ءاياته) *، وقال: * (نفصل الآيات) * فلا يلزم من ذكر الفاصلين أن يكون معينا ليقضي و * (خير) * هنا أفعل التفضيل على بابها. وقيل: ليست على بابها لأن قضاءه تعالى لا يشبه قضاء ولا يفصل كفصله أحد وهذا الاستدلال يدل على أنها بابها.
* (قل لو أن عندى ما تستعجلون به لقضى الامر بينى وبينكم) * أي لو كان في قدرتي الوصول إلى ما تستعجلون به من اقتراح الآيات أو من حلول العذاب لبادرت إليه ووقع الانفصال بيني وبينكم. وروي عن عكرمة في * (لقضى الامر بينى وبينكم) * أي لقامت القيامة وما روي عن ابن جريج من أن المعنى لذبح الموت لا يصح ولا له هنا معنى. وقال الزمخشري و * (ما تستعجلون به) * من العذاب لأهلكنكم عاجلا غضبا لربي وامتعاضا من تكذيبكم به ولتخلصت منكم سريعا؛ انتهى. وهو قول ابن عباس لم أمهلكم ساعة ولأهلكنكم. * (والله أعلم بالظالمين) * الظاهر أن المعنى والله أعلم بكم فوضع الظاهر المشعر بوصفهم بالظلم موضع المضمر ومعنى * (أعلم) * بهم أي بمجازاتهم ففيه وعيد وتهديد. وقيل: بتوقيت عقابهم وقيل: بما آل أمرهم من هداية بعض واستمرار بعض. وقيل: بمن ينبغي أن يؤخذ وبمن يمهل. وقيل: بما
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»