تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٤٥
هنا لازمة أي ولتظهر سبيل المحرمين. وقرأ نافع * (ولتستبين) * بتاء الخطاب سبيل بالنصب فاستبان هنا متعدية. فقيل: هو خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم). وقيل له ظاهرا والمراد أمته لأنه صلى الله عليه وسلم) كان استبانها وخص * (سبيل المجرمين) * لأنه يلزم من استبانتها استبانة سبيل المؤمنين أو يكون على حذف معطوف لدلالة المعنى عليه التقدير سبيل المجرمين والمؤمنين. وقيل: خص * (سبيل المجرمين) * لأنهم الذين أثار وأما تقدم من الأقوال وهم أهم في هذا الموضع لأنها آيات رد عليهم، وظاهر المجرمين العموم وتأوله ابن زيد على أنه عنى بالمجرمين الآمرون بطرد الضعفة واللام في * (* لتستبين) * متعلقة بفعل متأخر أي * (الايات ولتستبين سبيل المجرمين) * فصلناها لكم أو قبلها علة محذوفة وهو قول الكوفيين التقدير لنبين لكم ولتستبين. وقال الزمخشري: لنستوضح سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يجب أن يعامل به فصلنا ذلك التفصيل.
* (قل إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله) * أمره تعالى أن يجاهرهم بالتبري من عبادتهم غير الله، ولما ذكر تعالى تفصيل الآيات لتستبين سبيل المبطل من المحق نهاه عن سلوك سبيلهم ومعنى نهيت زجرت. قال الزمخشري: بما ركب في من أدله العقل وبما أوتيت من أدلة السمع والذين يدعون الأصنام، عبر عنها بالذين على زعم الكفار حين أنزلوها منزلة من يعقل وتدعون. قال ابن عباس: معناه تعبدون. وقيل: تسمونهم آلهة من دعوت ولدي زيدا سميته. وقيل: يدعون في أموركم وحوائجكم وفي قوله: * (تدعون من دون الله) * استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا منه على غير بصيرة، ولفظة * (نهيت) * أبلغ من النفي بلا * (أعبد) * إذ فيه ورود تكليف.
* (قل لا أتبع أهواءكم) * أي ما تميل إليه أنفسكم من عبادة غير الله ولما كانت أصنامهم مختلفة كان لكل عابد صنم هوى يخصه فلذلك جمع، وأهواءكم عام وغالب ما يستعمل في غير الخير ويعم عبادة الأصنام وما أمروا به من طرد المؤمنين الضعفاء وغير ذلك مما ليس بحق وهي أعم من الجملة السابقة وأنص على مخالفتهم، وفي قوله * (أهواءكم) * تنبيه على السبب الذي حصل منه الضلال وتنبيه لمن أراد اتباع الحق ومجانبة الباطل كما قال ابن دريد:
* وآفة العقل الهوى فمن علا * على هواه عقله فقد نجا * * (قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين) * المعنى إن اتبعت أهواءكم ضللت وما اهتديت والجملة من قوله: * (وما أنا من المهتدين) * مؤكدة لقوله * (قد ضللت) * وجاءت تلك فعلية لتدل على التجدد وهذه اسمية لتدل على الثبوت فحصل نفي تجدد الضلال وثبوته وجاءت رأس آية. وقرأ السلمي وابن وثاب وطلحة * (ضللت) * بكسر فتحة اللام وهي لغة، وفي التحرير قرأ يحيى وابن أبي ليلى هنا في السجدة في أئذا ضللنا بالصاد غير معجمة ويقال صل اللحم أنتن ويروى ضللنا أي دفنا في الضلة وهي الأرض الصلبة رواه أبو العباس عن مجاهد بن الفرات في كتاب الشواذله. * (قل إنى على بينة من ربى) * أي على شريعة واضحة وملة صحيحة. وقيل: البينة هي المعجزة التي تبين صدقي وهي القرآن، قالوا: ويجوز أن تكون التاء في * (بينة) * للمبالغة والمعنى على أمر بين لما نفي أن يكون متبعا للهوى نبه على ما يجب اتباعه وهو الأمر الواضح من الله تعالى.
* (وكذبتم به) * إخبار منه عنهم أنهم كذبوا به والظاهر عود الضمير على الله أي وكذبتم بالله. وقيل: عائد على * (بينة) * لأن معناه على أمر بين. وقيل: على البيان الدال عليه بينة. وقيل: على القرآن.
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»