تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٤١
الزمخشري: يئسوا منه أن يبطلوه وأن يرجعوا محللين لهذه الخبائث بعدما حرمت عليكم. وقيل: يئسوا من دينكم أن يغلبوه لأن الله وفى بوعده من إظهاره على الدين كله انتهى. وقرأ أبو جعفر: ييس من غير همز، ورويت عن أبي عمرو.
* (فلا تخشوهم واخشون) * قال ابن جبير: فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم. وقال ابن السائب: فلا تخشوهم أن يظهروا على دينكم. وقيل: فلا تخشوا عاقبتهم. والظاهر أنه نهى عن خشيتهم إياهم، وأنهم لا يخشون إلا الله تعالى.
* (اليوم أكملت لكم دينكم) * يحتمل اليوم المعاني التي قيلت في قوله: اليوم يئس. قال الجمهور: وإكماله هو إظهاره، واستيعاب عظم فرائضه، وتحليله وتحريمه. قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآيات الربا، وآية الكلالة، وغير ذلك، وإنما كمل معظم الدين، وأمر الحج، إن حجوا وليس معهم مشرك. وخطب الزمخشري في هذا المعنى فقال: كفيتكم أمر عدوكم، وجعلت اليد العليا لكم، كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد إذا كفوا من ينازعهم الملك، ووصلوا إلى أغراضهم ومباغيهم. أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه من تعليم الحلال والحرام، والتوقيف على الشرائع، وقوانين القياس، وأصول الاجتهاد انتهى. وهذا القول الثاني هو: قول ابن عباس والسدي قالا: كمال فرائضه وحدوده، ولم ينزل بعد هذه الآية تحليل ولا تحريم، فعلى هذا يكون المعنى: أكملت لكم شرائع دينكم. وقال قتادة وابن جبير: كما له أن ينفي المشركين عن البيت، فلم يحج مشرك. وقال الشعبي: كمال الدين هو عزه وظهوره، وذل الشرك ودروسه، لا تكامل الفرائض والسنن، لأنها لم تزل تنزل إلى أن قبض. وقيل: كما له إلا من من نسخه بعده كما نسخ به ما تقدم. وقال القفال: الدين ما كان ناقصا البتة، بل كانت الشرائع تنزل في كل وقت كافية في ذلك الوقت، إلا أنه تعالى كان عالما في أول المبعث بأن ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد، وكان ينسخ بعد الثبوت ويزيد بعد العدم، وأما في آخر زمان المبعث فأنزل شريعة كاملة، وأحكم ثباتها إلى يوم القيامة. وروي أن هذه الآية لما نزلت يوم الحج الأكبر، وقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكى عمر بن الخطاب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم): (ما يبكيك؟) فقال: أبكاني أنا كنا في زيادة ديننا، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم): (صدقت).
* (وأتممت عليكم نعمتى) * أي في ظهور الإسلام، وكمال الدين، وسعة الأحوال، وغير ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية، إلى دخول الجنة، والخلود، وحسن العبارة الزمخشري فقال: بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين، وهدم منار الجاهلية ومناسكهم، وإن لم يحج مشرك ولم يطف بالبيت عريان انتهى. فكلامه مجموع أقوال المتقدمين. قال ابن عباس، وابن جبير، وقتادة: إتمام النعمة منع المشركين من الحج. وقال السدي: هو الإظهار على العدو. وقال ابن زيد: بالهداية إلى الإسلام. وقال الزمخشري: وأتممت عليكم نعمتي بإكمال أمر الدين والشرائع كأنه قال: وأتممت عليكم نعمتي بذلك، لأنه لا نعمة من نعمة الإسلام.
* (ورضيت لكم الأسلام دينا) * يعني: اخترته لكم من بين الأديان، وأذنتكم بأنه هو الدين المرضي وحده (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) (إن هذه أمتكم أمة واحدة) قاله الزمخشري. وقال ابن عطية الرضافي: هذا الموضع يحتمل أن يكون بمعنى الإرادة، ويحتمل أن يكون صفة فعل عبارة عن إظهار الله إياه، لأن الرضا من الصفات المترددة بين صفات الذات وصفات الأفعال، والله تعالى قد رضي الإسلام وأراده لنا، وثم أشياء يريد الله وقوعها ولا برضاها. والإسلام هنا هو الدين في قوله: * (إن الدين عند الله الإسلام) * انتهى وكلامه يدل على أن الرضا إذا كان من صفات الذات فهو صفة تغاير الإرادة. وقيل: المعنى أعلمتكم برضائي به
(٤٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 ... » »»