ثبت أنه لم يحول عنه. قال ابن عباس: والظلمات هنا العذاب، وقال مجاهد: ظلمة الكفر، وقال قتادة: ظلمة يلقيها الله عليهم بعد الموت، وقال السدي: ظلمة النفاق، ولم يذكر مفعول لا يبصرون، ولا ينبغي أن ينوي، لأن المقصود نفي الإبصار عنهم لا بالنسبة إلى متعلقه.
قرأ الجمهور: * (صم بكم عمى) *، بالرفع وهو على إضمار مبتدأ تقديره هم صم، وهي أخبار متباينة في اللفظ والدلالة الوضعية، لكنها في موضع خبر واحد، إذ يؤول معناها كلها إلى عدم قبولهم الحق وهم سمعاء الآذان، فصح الألسن، بصراء الأعين، لكنهم لم يصيخوا إلى الحق ولا نطقت به ألسنتهم، ولا تلمحوا أنوار الهداية، وصفوا بما وصفوا من الصمم والبكم والعمى، وقد سمع عن العرب لهذا نظائر، أنشد الزمخشري من ذلك أياتا، وأنشد غيره:
* أعمى إذا ما جارتي برزت * حتى يواري جارتي الخدر * * وأصم عما كان بينهما * أذني وما في سمعها وقر * وهذا من التشبيه البليغ عند المحققين، وليس من باب الاستعارة، لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون. والاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوا عنه، صالحا لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام، كقول زهير:
* لدي أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم * وحذف المبتدأ هناك لذكره، فلا يقال: إنه من باب الاستعارة، إذ هو كقول زهير:
* أسد علي وفي الحروب نعامة * فتخاء تنفر من صفير الصافر * والإخبار عنهم بالصمم والبكم والعمى هو كما ذكرناه من باب المجاز، وذلك لعدم قبولهم الحق. وقيل: وصفهم الله بذلك لأنهم كانوا يتعاطون التصامم والتباكم والنعامي من غير أن يكونوا متصفين بشيء من ذلك، فنبه على سوء اعتمادهم وفساد اعتقادهم. والعرب إذا سمعت ما لا تحب، أو رأت ما لا يعجب، طرحوا ذلك كأنهم ما سمعوه ولا رأوه. قال تعالى: * (كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا) *، وقالوا: * (قلوبنا فى أكنة) * الآية. قيل: ويجوز أن يكون أريد بذلك المبالغة في ذمهم، وأنهم من الجهل والبلادة أسوأ حالا من البهائم وأشبه حالا من الجمادات التي لا تسمع ولا تتكلم ولا تبصر. فمن عدم هذه المدارك الثلاثة كان من الذم في الرتبة القصوى، ولذلك لما أراد إبراهيم،