ضرب السور بينهم وبين المؤمنين وهو السور المذكور في الحديد، أو عن قوله تعالى: * (الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم) *، أو عن تجديد الله لهم نعمة كلما أحدثوا ذنبا، فيظنون أن ذلك لمحبة الله لهم، أو عن الحيلولة بين المنافقين وبين النور الذي يعطاه المؤمنون، كما ذكروا أنه روي في الحديث، أو عن طردهم عن الجنة، إذا أمر بناس منهم إلى الجنة ودنوا منها ووجدوا ريحها ونظروا إلى ما أعد الله فيها لأهلها، وهو حديث فيه طول، روي عن عدي بن حاتم، ونحا هذا المنحى ابن عباس، والحسن.
وفي مقابلة استهزائهم بالمؤمنين باستهزاء الله بهم ما يدل على عظم شأن المؤمنين وعلو منزلتهم، وليعلم المنافقون أن الله هو الذي يذب عنهم ويحاب من حاربهم. وفي افتتاح الجملة باسم التفخيم العظيم، حيث صدرت الجملة به، وجعل الخبر فعلا مضارعا يدل عندهم على التجددد والتكرر، فهو أبلغ في النسبة من الاستهزاء المخبرية في قولهم، ثم في ذلك التنصيص على الذين يستهزئ الله بهم، إذ عدى الفعل إليهم فقال: يستهزئ بهم وهم لم ينصوا حين نسبوا الاستهزاء إليهم على من تعلق به الاستهزاء، فلم يقولوا: إنما نحن مستهزؤن بهم وذلك لتحرجهم من إبلاغ ذلك للمؤمنين فينقمون ذلك عليهم، فأبقوا اللفظ محتملا أن لو حوققوا على ذلك لكان لهم مجال في الذب عنهم أنهم لم يستهزؤا بالمؤمنين. ألا ترى إلى مداراتهم عن أنفسهم بقولهم: آمنا بالله وباليوم الآخر، وبقولهم: إذا لقوهم قالوا آمنا فهم، عند لقائهم لا يستطيعون إظهار المداراة، ولا مشاركتهم بما يكرهون، بل يظهرون الطواعية والانقياد.
وقرأ ابن محيصن وشبل: يمدهم وتروى عن ابن كثير: ونسبة المد إلى الله حقيقة، إذ هو موجد الأشياء والمنفرد باختراعها. والمعنى: أن الله تعالى يطول لهم في الطغيان. وقد ذهب الزمخشري إلى تأويل المد المنسوب إلى الله تعالى بأنه منع الألطاف وخذلانهم بسبب كفرهم وإصرارهم، بقيت قلوبهم تتزايد الظلمة فيها تزايد النور في قلوب المؤمنين، فسمى ذلك التزايد مدا وأسند إلى الله لأنه مسبب عن فعله بهم بسبب كفرهم، أو بأن المد هو على معنى القسر والالجاء. قال: أو على أن يسند فعل الشيطان إلى الله لأنه بتمكينه وإقداره والتخلية بينه وبين إغواء عبادة، وإنما ذهب إلى التأويل في المد لأن مد الله لهم في الطغيان قبيح، والله منزه عن فعل القبيح. والتأويل الأول الذي ذكره الزمخشري: قول الكعبي، وأبي مسلم. وقال الجبائي: هو المد في العمر، وعندنا نحن أن الله خالق الخير والشر، وهو الهادي والمضل.
وقد تقدم الكلام في نحو من هذا عند قوله تعالى: * (ختم الله على قلوبهم) * ومد الله في طغيانهم، التمكين من العصيان، قاله ابن مسعود، أو الإملاء، قاله ابن عباس، أو الزيادة من الطغيان، قاله مجاهد، أو الإمهال، قاله الزجاج وابن كيسان، أو تكثير الأموال، والأولاد، وتطييب الحياة، أو تطويل الأعمار، ومعافاة الأبدان، وصرف الرزايا، وتكثير الأرزاق. وقرأ زيد بن علي: في طغيانهم بكسر الطاء، وهي لغة، يقال: طغيان بالضم والكسر، كما قالوا: القيان، وغينان، بالضم والكسر. وأمال الكسائي في طغيانهم، وأضاف الطغيان إليهم لأنه فعلهم وكسبهم، وكل فعل صدر من العبد صحت