أحد ولكن الله توفاني. قالوا: يا موسى، ما تعصى (1). فأخذتهم الرجفة، فجعلوا يترددون (2) يمينا وشمالا، ويقول: (لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك) قال فأحياهم وجعلهم أنبياء كلهم. وقيل: أخذتهم الرجفة لقولهم: أرنا الله جهرة كما قال الله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة " على ما تقدم بيانه في البقرة (3). وقال ابن عباس: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد العجل، ولم يرضوا عبادته. وقيل: هؤلاء السبعون غير من قالوا أرنا الله جهرة. وقال وهب: ما ماتوا، ولكن أخذتهم الرجفة من الهيبة حتى كادت أن تبين مفاصلهم، وخاف موسى عليهم الموت. وقد تقدم في " البقرة " عن وهب أنهم ماتوا يوما وليلة. وقيل غير هذا في معنى سبب أخذهم بالرجفة. والله أعلم بصحة ذلك.
ومقصود الاستفهام في قوله: " أتهلكنا " الجحد، أي لست تفعل ذلك. وهو كثير في كلام العرب. وإذا كان نفيا كان بمعنى الإيجاب، كما قال:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح (4) وقيل: معناه الدعاء والطلب، أي لا تهلكنا، وأضاف إلى نفسه. والمراد القوم الذين ماتوا من الرجفة. وقال المبرد: المراد بالاستفهام استفهام استعظام، كأنه يقول: لا تهلكنا، وقد علم موسى أن الله لا يهلك أحدا بذنب غيره، ولكنه كقول عيسى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك (5) ". وقيل: المراد بالسفهاء السبعون. والمعنى: أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم " أرنا الله جهرة ". " إن هي إلا فتنتك " أي ما هذا إلا اختبارك وامتحانك. وأضاف الفتنة إلى الله عز وجل ولم يضفها إلى نفسه، كما قال إبراهيم: " وإذا مرضت فهو يشفين (6) " فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى: وقال يوشع:
" وما أنسانيه إلا الشيطان (7) ". وإنما استفاد ذلك موسى عليه السلام من قوله تعالى له: