تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٧٥
فوك إلى ما كان عليه قبل، أما علمت أن رائحة الصائم أحب إلي من ريح المسك).
وأمره بصيام عشرة أيام. وكان كلام الله تعالى لموسى (صلى الله عليه وسلم (1)) غداة النحر حين فدى إسماعيل من الذبح، وأكمل لمحمد صلى الله عليه وسلم الحج. وحذفت الهاء من عشر لأن المعدود مؤنث.
والفائدة في قوله: " فتم ميقات ربه أربعين ليلة " وقد علم أن ثلاثين وعشرة أربعون، لئلا يتوهم أن المراد أتممنا الثلاثين بعشر منها، فبين أن العشر سوى الثلاثين. فإن قيل: فقد قال في البقرة أربعين وقال هنا ثلاثين، فيكون ذلك من البداء.
قيل: ليس كذلك، فقد قال: " وأتممناها بعشر " والأربعون، والثلاثون والعشرة قول واحد ليس بمختلف. وإنما قال القولين على تفصيل وتأليف، قال أربعين في قول مؤلف، وقال ثلاثين، يعني شهرا متتابعا وعشرا. وكل ذلك أربعون، كما قال الشاعر:
" عشر وأربع... " يعني أربع عشرة، ليلة البدر. وهذا جائز في كلام العرب.
الثانية - قال علماؤنا: دلت هذه الآية على أن ضرب الأجل للمواعدة سنة ماضية، ومعنى قديم أسسه الله تعالى في القضايا، وحكم به للأمم، وعرفهم به مقادير التأني في الأعمال.
وأول أجل ضربه الله تعالى الأيام الستة التي خلق فيها جميع المخلوقات، " ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (2) ". وقد بينا معناه فيما تقدم في هذه السورة من قوله: " إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام (3) ". قال ابن العربي: فإذا ضرب الأجل لمعنى يحاول فيه تحصيل المؤجل فجاء الأجل ولم يتيسر زيد فيه تبصرة ومعذرة. وقد بين الله تعالى ذلك لموسى عليه السلام فضرب له أجلا ثلاثين ثم زاده عشرا تتمة أربعين. وأبطأ موسى عليه السلام في هذه العشر على قومه، فما عقلوا جواز التأني والتأخر حتى قالوا: إن موسى ضل أو نسي، ونكثوا عهده وبدلوا بعده، وعبدوا إلها غير الله. قال ابن عباس: إن موسى قال لقومه: إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه، وأخلف فيكم

(1) من ع.
(2) راجع ج 17 ص 23.
(3) راجع ص 218 من هذا الجزء.
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»