تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٢
قوله تعالى: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68) قوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) بالتكذيب والرد والاستهزاء (فأعرض عنهم) والخطاب مجرد للنبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن المؤمنين داخلون في الخطاب معه. وهو صحيح، فإن العلة سماع الخوض في آيات الله، وذلك يشملهم وإياه. وقيل المراد به النبي صلى الله عليه وسلم وحد، لأن قيامه عن المشركين كان يشق (1) عليهم، ولم يكن المؤمنون عندهم كذلك، فأمر أن ينابذهم بالقيام عنهم إذا استهزءوا وخاضوا ليتأدبوا بذلك ويدعوا الخوض والاستهزاء. والخوض أصله في الماء، ثم استعمل بعد في غمرات الأشياء التي هي مجاهل، تشبيها بغمرات الماء فاستعير من المحسوس للمعقول.
وقيل: هو مأخوذ من الخلط. وكل شئ خضته فقد خلطته، ومنه خاض الماء بالعسل خلطه. فأدب الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وسلم (2)) بهذه الآية، (لأنه) (3) كان يقعد إلى قوم من المشركين يعظهم ويدعوهم فيستهزؤون بالقرآن، فأمره الله أن يعرض عنهم إعراض منكر. ودل بهذا على أن الرجل إذا علم من الآخر منكرا وعلم أنه لا يقبل منه فعليه أن يعرض عنه إعراض منكر ولا يقبل عليه. وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله:
" وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا " قال: هم الذين يستهزئون بكتاب الله، نهاه الله عن أن يجلس معهم إلا أن ينسى فإذا ذكر قام. وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هم الذين يقولون في القرآن غير الحق.
الثانية - في هذه الآية رد من كتاب الله عز وجل على من زعم أن الأئمة الذين هم حجج وأتباعهم لهم أن يخالطوا الفاسقين ويصوبوا آراءهم تقية (4). وذكر الطبري عن أبي جعفر محمد بن علي (رضي الله عنه (5)) أنه قال: لا تجالسوا أهل الخصومات، فإنهم الذين يخوضون

(١) في ك: أشق.
(٢) من ك وز.
(٣) من ك.
(٤) التقية والتقاة بمعنى واحده.
يريد أنهم يتقون بعضهم بعضا ويظهرون الصلح والاتفاق، وباطنهم بخلاف ذلك.
(5) من، ع، ز.
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»