تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٢٨
المراتب الذي لا عدد فوقه، فعبر بها عن أمهات العوالم التي هي عالم الجبروت، وعالم الملكوت، والعرش، والكرسي، والسماوات السبع، والعناصر الأربعة، والمواليد الثلاثة التي ينفصل كل واحد منها إلى جزئياته.
والتسعة عشر إشارة إليها مع العالم الإنساني، فإنه وإن كان داخلا في عالم الحيوان إلا أنه باعتبار شرفه وجامعيته للكل وحصره للوجود عالم آخر له شأن وجنس برأسه له برهان، كجبريل من بين الملائكة في قوله تعالى: * (وملائكته ورسله وجبريل) * [البقرة، الآية: 98].
والألفات الثلاثة المحتجبة التي هي تتمة الاثنين والعشرين عند الانفصال إشارة إلى العالم الإلهي الحق، باعتبار الذات، والصفات، والأفعال. فهي ثلاثة عوالم عند التفصيل، وعالم واحد عند التحقيق، والثلاثة المكتوبة إشارة إلى ظهور تلك العوالم على المظهر الأعظمي الإنساني، والاحتجاب العالم الإلهي.
حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ألف الباء من أين ذهبت؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((سرقها الشيطان)). وأمر بتطويل باء بسم الله تعويضا عن ألفها إشارة إلى احتجاب ألوهية الإلهية في صورة الرحمة الانتشارية وظهورها في الصورة الإنسانية بحيث لا يعرفها إلا أهلها، ولهذا نكرت في الوضع.
وقد ورد في الحديث: ((إن الله تعالى خلق آدم على صورته))، فالذات محجوبة بالصفات، والصفات بالأفعال، والأفعال بالأكوان والآثار، فمن تجلت عليه الأفعال بارتفاع حجب الأكوان توكل، ومن تجلت عليه الصفات بارتفاع حجب الأفعال رضي وسلم. ومن تجلت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات فني في الوحدة فصار موحدا مطلقا فاعلا ما فعل وقارئا ما قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فتوحيد الأفعال مقدم على توحيد الصفات وهو على توحيد الذات وإلى الثلاثة أشار صلى الله عليه وسلم في سجوده بقوله: ((أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك)).
[آية 2 - 5] * (الحمد لله رب العالمين) * إلى آخر السورة، الحمد بالفعل ولسان الحال هو ظهور الكمالات وحصول الغايات من الأشياء إذ هي أثنية فاتحة ومدح رائعة لموليها بما يستحقه.
فالموجودات كلها بخصوصياتها وخواصها، وتوجهها إلى غاياتها، وإخراج كمالاتها من حيز القوة إلى الفعل، مسبحة، حامدة، كما قال تعالى: * (وإن من شيء إلا يسبح
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»