قال قومه: * (أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) * (البقرة: 67) فأعطاه الله خلعتين إزالة التهمة وإحياء القتيل فقال: * (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته) *، (البقرة: 73) الخامس: أن القوم لما خوفوه بالقتل قال: * (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) * (الدخان: 20) وقال في آية أخرى: * (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) * (غافر: 27) فأعطاه الله تعالى مراده فأفنى عدوهم وأورثهم أرضهم وديارهم، والسادس: أن أم مريم قالت: * (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * (آل عمران: 36) فوجدت الخلعة والقبول وهو قوله: * (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا) * (آل عمران: 37) والسابع: أن مريم عليها السلام لما رأت جبريل في صورة بشر يقصدها في الخلوة قالت: * (إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) * (مريم: 68) فوجدت نعمتين ولدا من غير أب وتنزيه الله إياها بلسان ذلك الولد عن السوء وهو قوله: * (إني عبد الله) * (مريم: 30) الثامن: أن الله تعالى أمر محمدا عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة مرة بعد أخرى فقال: * (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون) * (المؤمنون: 98) وقال: * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * والتاسع: قال في سورة الأعراف * (خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين وأما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه سميع عليم) * (الأعراف: 200) وقال في حم السجدة: * (إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) * (فصلت: 34) إلى أن قال: * (وأما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) * فهذه الآيات دالة على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا أبدا في الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن.
وأما الأخبار فكثيرة: الخبر الأول: عن معاذ بن جبل قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأغرقا فيه: فقال عليه السلام: " إني لأعلم كلمة لو قالاها لذهب عنهما ذلك، وهي قوله: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وأقول هذا المعنى مقرر في العقل من وجوه: الأول: أن الإنسان يعلم أن علمه بمصالح هذا العالم ومفاسده قليل جدا، وأنه إنما يمكنه أن يعرف ذلك القليل بمدد العقل، وعند الغضب يزول العقل، فكل ما يفعله ويقوله لم يكن على القانون الجيد، فإذا استحضر في عقله هذا صار هذا المعنى مانعا له عن الإقدام على تلك الأفعال وتلك الأقوال، وحاملا له على أن يرجع إلى الله تعالى في تحصيل الخيرات ودفع الآفات، فلا جرم يقول أعوذ بالله. الثاني: أن الإنسان غير عالم قطعا بأن الحق من جانبه ولا من جانب بخصمه، فإذا علم ذلك يقول: أفوض هذه الواقعة إلى الله تعالى، فإذا كان الحق من جانبي فالله يستوفيه من خصمي، وإن كان الحق من جانب خصمي فالأولى أن لا أظلمه "