تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٧٤
علمنا أن الوصول إلى الحق ليس إلا بهداية الله تعالى، ومما يقوي ذلك أن كل الملائكة والأنبياء أطبقوا على ذلك، أما الملائكة فقالوا: * (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) * (البقرة: 32) وقال آدم عليه السلام: * (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * (الأعراف: 23) وقال إبراهيم عليه السلام: * (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) * (الأنعام: 77) وقال يوسف عليه السلام: * (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) * (يوسف: 101) وقال موسى عليه السلام: * (رب اشرح لي صدري) * (طه: 25) - الآية وقال محمد عليه السلام: * (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) * (آل عمران: 8) فهذا هو الكلام في لطائف هذا الخبر والذي تركناه أكثر مما ذكرناه.
الفائدة الرابعة: من فوائد هذا الخبر أن آيات الفاتحة سبع، والأعمال المحسوسة أيضا في الصلاة سبعة، وهي: القيام، والركوع، والانتصاب، والسجود الأول، والانتصاب فيه، والسجود الثاني والقعدة، فصار عدد آيات الفاتحة مساويا لعدد هذه الأعمال، فصارت هذه الأعمال كالشخص، والفاتحة لها كالروح، والكمال إنما يحصل عند اتصال الروح بالجسد، فقوله: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * بإزاء القيام، ألا ترى أن الباء في بسم الله لما اتصل باسم الله بقي قائما مرتفعا، وأيضا فالتسمية لبداية الأمور، قال عليه الصلاة والسلام: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر " وقال تعالى: * (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) * (الأعلى: 14) وأيضا القيام لبداية الأعمال، فحصلت المناسبة بين التسمية وبين القيام من هذه الوجوه، وقوله تعالى: * (الحمد لله رب العالمين) * بإزاء الركوع، وذلك لأن العبد في مقام التحميد ناظر إلى الحق وإلى الخلق؛ لأن التحميد عبارة عن الثناء عليه بسب الأنعام الصادر منه، والعبد في هذا المقام ناظر إلى المنعم وإلى النعمة، فهو حالة متوسطة بين الأعراض وبين الاستغراق، والركوع حالة متوسطة بين القيام وبين السجود وأيضا، الحمد يدل على النعم الكثيرة، والنعم الكثيرة مما تثقل ظهره، فينحني ظهره للركوع وقوله: * (الرحمن الرحيم) * مناسب للانتصاب لأن العبد لما تضرع إلى الله في الركوع فيليق برحمته أن يرده إلى الانتصاب، ولذلك قال عليه السلام: " إذا قال العبد سمع الله لمن حمده نظر الله إليه بالرحمة " وقوله: * (مالك يوم الدين) * مناسب للسجدة الأولى: لأن قولك مالك يوم الدين يدل على كمال القهر والجلال والكبرياء، وذلك يوجب الخوف الشديد، فيليق به الإتيان بغاية الخضوع والخشوع، وهو السجدة؛ وقوله: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * مناسب للقعدة بين السجدتين، لأن قوله إياك نعبد إخبار عن السجدة التي تقدمت، وقوله وإياك نستعين استعانة بالله في أن يوفقه للسجدة الثانية. وأما قوله: * (اهدنا الصراط المستقيم) * فهو سؤال لأهم الأشياء فيليق به السجدة الثانية الدالة على نهاية الخضوع. وأما قوله: * (صراط الذين أنعمت عليهم) *
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»