تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٠٦
واعتمادهم على الكلامين الأولين.
والجواب عن خبر أنس من وجوه: الأول: قال الشيخ أبو حامد الإسفرايني: روى عن أنس في هذا الباب ست روايات، أما الحنفية فقد رووا عنه ثلاث روايات: إحداها: قوله صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. وثانيتها قوله: أنهم ما كانوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم. وثالثتها قوله: لم أسمع أحدا منهم قال بسم الله الرحمن الرحيم، فهذه الروايات الثلاث تقوى قول الحنفية، وثلاث أخرى تناقض قولهم: إحداها: ما ذكرنا أن أنسا روى أن معاوية لما ترك بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والأنصار، وقد بينا أن هذا يدل على أن الجهر بهذه الكلمات كالأمر المتواتر فيما بينهم. وثانيتها: روى أبو قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. وثالثتها: أنه سئل عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والأسرار به فقال: لا أدري هذه المسألة فثبت أن الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب، فبقيت متعارضة فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل، وأيضا ففيها تهمة أخرى، وهي أن عليا عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر، سعيا في إبطال آثار علي عليه السلام، فلعل أنسا خاف منهم فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه، ونحن وإن شككنا في شيء فإنا لا نشك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس وابن المغفل وبين قول علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بقي عليه طول عمره فإن الأخذ بقول علي أولى، فهذا جواب قاطع في المسألة.
ثم نقول: هب أنه حصل التعارض بين دلائلكم ودلائلنا، إلا أن الترجيح معنا، وبيانه من وجوه: الأول: أن راوي أخباركم أنس وابن المغفل، وراوي قولنا علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة، وهؤلاء كانوا أكثر علما وقربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنس وابن المغفل. والثاني: أن مذهب أبي حنيفة أن خبر الواحد إذا ورد على خلاف القياس لم يقبل، ولهذا السبب فإنه لم يقبل خبر المصراة مع أنه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأن القياس يخالفه إذا ثبت هذا فنقول قد بينا أن صريح العقل ناطق بأن إظهار هذه الكلمة أولى من إخفائها، فلأي سبب رجح قول أنس وقول ابن المغفل على هذا البيان الجلي البديهي؟ والثالث: أن من المعلوم بالضرورة أن النبي
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»