تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٠٤
وبعضها جهريا فهذا مفقود في جميع السور؛ وإذا ثبت هذا كان الجهر بالتسمية مشروعا في القراءة الجهرية.
الحجة الثانية: أن قوله بسم الله الرحمن الرحيم لا شك أنه ثناء على الله وذكر له بالتعظيم فوجب أن يكون الإعلان به مشروعا لقوله تعالى: * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) * (البقرة: 200) ومعلوم أن الإنسان إذا كان مفتخرا بأبيه غير مستنكف منه فإنه يعلن بذكره ويبالغ في إظهاره أما إذا أخفى ذكره أو أسره دل ذلك على كونه مستنكفا منه، فإذا كان المفتخر بأبيه يبالغ في الإعلان والإظهار وجب أن يكون إعلان ذكر الله أولى عملا بقوله: * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) *.
الحجة الثالثة: هي أن الجهر بذكر الله يدل على كونه مفتخرا بذلك الذكر غير مبال بإنكار من ينكره، ولا شك أن هذا مستحسن في العقل، فيكون في الشرع كذلك؛ لقوله عليه السلام: " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن " ومما يقوي هذا الكلام أيضا أن الإخفاء والسر لا يليق إلا بما يكون فيه عيب ونقصان فيخفيه الرجل ويسره، لئلا ينكشف ذلك العيب. أما الذي يفيد أعظم أنواع الفخر والفضيلة والمنقبة فكيف يليق بالعقل إخفائه؟ ومعلوم أنه لا منقبة للعبد أعلى وأكمل من كونه ذاكرا لله بالتعظيم، ولهذا قال عليه السلام: " طوبى لمن مات ولسانه رطب من ذكر الله " وكان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: يا من ذكره شرف للذاكرين. ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أن يسعى في إخفائه؟ ولهذا السبب نقل أن عليا رضي الله عنه كان مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات، وأقول إن هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين.
الحجة الرابعة: ما رواه الشافعي بإسناده، أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود، فلما سلم ناداه المهاجرون والأنصار. يا معاوية، سرقت منا الصلاة، أين بسم الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير عند الركوع والسجود؟ ثم إنه أعاد الصلاة مع التسمية والتكبير، قال الشافعي: إن معاوية كان سلطانا عظيم القوة شديد الشوكة فلولا أن الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والأنصار وإلا لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية.
الحجة الخامسة: روى البيهقي في " السنن الكبير " عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم إن الشيخ البيهقي روى الجهر عن
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»