ألقى نفسه في البلاء فكانت استعاذة الإنسان من شر نفسه أهم وألزم من استعاذته من شر الشيطان فلم بدأ بالجانب الأضعف وترك الجانب الأهم؟. الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم وفيه أبواب الباب الأول في مسائل جارية مجرى المقدمات وفيه مسائل متعلق ياء البسملة:
المسألة الأولى: قد بينا أن الباء من (بسم الله الرحمن الرحيم) متعلقة بمضمر، فنقول: هذا المضمر يحتمل أن يكون اسما، وأن يكون فعلا، وعلى التقديرين فيجوز أن يكون متقدما، وأن يكون متأخرا، فهذه أقسام أربعة، أما إذا كان متقدما وكان فعلا فكقولك: أبدأ باسم الله، وأما إذا كان متقدما وكان اسما فكقولك: ابتداء الكلام باسم الله، وأما إذا كان متأخرا وكان فعلا فكقولك: باسم الله أبدأ، وأما إذا كان متأخرا وكان اسما فكقولك: باسم الله ابتدائي ويجب البحث ههنا عن شيئين: الأول: أن التقديم أولى أم التأخير؟ فنقول كلاهما وارد في القرآن، أما التقديم فكقوله: * (باسم الله مجراها ومرساها) * (هود: 41) وأما التأخير فكقوله: * (إقرأ باسم ربك) * (العلق: 1) وأقول: التقديم عندي أولى، ويدل عليه وجوه: الأول: أنه تعالى قديم واجب الوجود لذاته، فيكون وجوده سابقا على وجود غيره، والسابق بالذات يستحق السبق، في الذكر، الثاني: قال تعالى: * (هو الأول والآخر) * (الحديد: 3) وقال: * (لله الأمر من قبل ومن بعد) *، (الروم: 4) الثالث: أن التقديم في الذكر أدخل في التعظيم، الرابع: أنه قال: * (إياك نعبد) * فههنا الفعل متأخر عن الاسم، فوجب أن يكون في قوله: (بسم الله) كذلك، فيكون التقدير باسم الله ابتدئ، الخامس: سمعت الشيخ الوالد ضياء الدين عمر رضي الله عنه يقول: سمعت الشيخ أبا القاسم الأنصاري يقول: حضر الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير الميهني مع الأستاذ أبي القاسم القشيري فقال الأستاذ القشيري: المحققون قالوا ما رأينا شيئا إلا ورأينا الله بعده، فقال الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير: ذاك مقام المريدين أما المحققون فإنهم ما رأوا شيئا إلا وكانوا قد رأوا الله قبله، قلت: وتحقيق الكلام أن الانتقال من المخلوق إلى الخالق إشارة إلى برهان الآن، والنزول من الخالق إلى المخلوق برهان اللم، ومعلوم أن برهان اللم أشرف، وإذا ثبت هذا فمن أضمر الفعل أولا فكأنه انتقل من رؤية فعله إلى رؤية وجوب الاستعانة باسم الله