المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٨٣
أسلم وسفيان المعنى خاص والمراد * (وما خلقت) * الطائعين من * (الجن والإنس) * الا لعبادتي ويؤيد هذا التأويل ان ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ (وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين الا ليعبدوني) وقال ابن عباس أيضا معنى * (ليعبدون) * أي ليتذللوا لي ولقدرتي وإن لم يكن ذلك على قوانين الشرع قال القاضي أبو محمد وعلى هذا التأويل فجميع الجن والإنس عابد متذلل والكفار كذلك ألا تراهم عند القحط والأمراض وغير ذلك وتحتمل الآية ان يكون المعنى ما خلقت الجن والإنس الا معدين ليعبدون وكان الآية تعديد نعمة أي خلقت لهم حواس وعقولا وأجساما منقادة نحو العبادة وهذا كما تقول البقر مخلوقة للحرث والخيل للحرب وقد يكون منها ما لا يحارب به أصلا فالمعنى ان الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة لكن بعضهم تكسب صرف نفسه عن ذلك ويؤيد هذا المنزع قول النبي صلى الله عليه وسلم (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) وقوله (كل مولود يولد على الفطرة) والحديث وقوله * (من رزق) * أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم وقوله * (أن يطعمون) * إما ان يكون المعنى ان يطعموا خلقي فأضيف ذلك إلى الضمير على جهة التجوز وهذا قول ابن عباد وإما أن يكون الاطعام هنا بمعنى النفع على العموم كما تقول أعطيت فلانا كذا وكذا طعمة وأنت قد أعطيته عرضا أو بلدا يحييه ونحو هذا فكأنه قال ولا أريد ان ينفعوني فذكر جزءا من المنافع وجعله دالا على الجميع وقرا الجميع (إن الله هو الرزاق) وروى أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله بن يزيد قال أبو عمرو الداني عن ابن مسعود قال أقراني رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني انا الرزاق) وقرأ الجمهور (إن الله هو الرزاق) وقرأ ابن محيصن (هو الرازق) وقرأ جمهور القراء (المتين) بالرفع إما على أنه خبر بعد خبر أو صفة ل * (الرزاق) * وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش (المتين) بالخفض على النعت ل * (القوة) * وجاز ذلك من حيث تأنيث * (القوة) * غير حقيقي فكأنه قال ذو الأيد أو ذو الحبل ونحوه * (فمن جاءه موعظة) * البقرة 275 وجوز أبو الفتح ان يكون خفض (المتين) على الجواز و * (المتين) * الشديد وقوله تعالى * (فإن للذين ظلموا) * يريد أهل مكة وهذه آية وعيد صراح وقرأ الأعمش " فإن للذين كفروا " والذنوب الحظ والنصيب وأصله من الدلو وذلك أن الذنوب هو ملء الدلو من الماء وقيل الذنوب الدلو العظيمة ومنه قول الشاعر (إنا إذا نازلنا غريب * له ذنوب ولنا ذنوب) (فإن أبيتم فلنا القليب *) الرجز وهو السجل ومنه قول علقمة بن عبدة (وفي كل حي قد خبطت بنعمة * فحق لشأس من نداك ذنوب) الطويل فيروى ان الملك لما سمع هذا البيت قال نعم وأذنبة ومنه قول حسان
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»