المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٩١
قوله عز وجل التوبة 114 - 116 المعنى لا حجة أيها المؤمنون في استغفار إبراهيم الخليل لأبيه فإن ذلك لم يكن إلا عن موعدة واختلف في ذلك فقيل عن موعدة من إبراهيم في أن يستغفر لأبيه وذلك قوله * (سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) * وقيل عن موعدة من أبيه له في أنه سيؤمن فكان إبراهيم قد قوي طمعه في إيمانه فحمله على الاستغفار له حتى نهي عنه وقرأ طلحة وما يستغفر إبراهيم وروي عنه وما استغفر إبراهيم و * (موعدة) * مفعلة من الوعد وأما تبينه أنه عدو لله قيل ذلك بموت آزر على الكفر وقيل ذلك بأنه نهي عنه وهو حي.
وقال سعيد بن جبير ذلك كله يوم القيامة وذلك أن في الحديث أن إبراهيم يلقاه فيعرفه ويتذكر قوله وله * (سأستغفر لك ربي) * فيقول له الزم حقوي فلن أدعك اليوم لشيء فيلزمه حتى يأتي الصراط فيلتفت إليه فإذا هو قد مسخ ضبعانا أمذر فيتبرأ منه حينئذ.
قال القاضي أبو محمد وربط أمر الاستغفار بالآخرة ضعيف وقوله * (إن إبراهيم لأواه حليم) * ثناء من الله تعالى على إبراهيم والأواه قال ابن مسعود هو الدعاء وقيل هو الداعي بتضرع وقيل هو الموقن قاله ابن عباس وقيل هو الرحيم قاله ابن مسعود أيضا وقيل هو المؤمن التواب وقيل هو المسبح وقيل هو الكثير الذكر لله عز وجل وقيل هو التلاء للقرآن وقيل هو الذي يقول من خوفه لله عز وجل أبدا أوه ويكثر ذلك.
وروي أن أبا ذر سمع رجلا يكثر ذلك في طوافه فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعه فإنه أواه.
والتأوه التفجع الذي يكثر حتى ينطق الإنسان معه ب أوه ويقال أوه فمن الأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال في بيع أو شراء أنكره عليه أوه ذلك الربا بعينه ومن الثاني قول الشاعر.
(فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها * ومن بعد أرض بيننا وسماء) الطويل ومن هذا المعنى قول المثقب العبدي.
(إذا ما قمت أرحلها بليل * تأوه آهة الرجل الحزين) الوافر
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»