المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٨٨
واستهدى مالا واستدعى نصرا بل هو كعجب واستعجب ثم وصف تعالى ذلك البيع بأنه * (الفوز العظيم) * أي أنه الحصول على الحظ الأغبط من حط الذنوب ودخول الجنة بلا حساب.
قوله عز وجل التوبة 112 - 113 هذه الأوصاف هي من صفات المؤمنين الذين ذكر الله أنه اشترى منهم أنفسهم وارتفعت هذه الصفات لما جاءت مقطوعة في ابتداء آية على معنى هم التائبون ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله تعالى ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى رتبة والآية الأولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وإن لم يتصف بهذه الصفات التي هي في هذه الآية الثانية أو بأكثرها وقالت فرقة بل هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط والآيتان مرتبطتان فلا يدخل في المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله واسند الطبري في ذلك عن الضحاك بن مزاحم أن رجلا سأله عن قول الله عز وجل * (إن الله اشترى) * وقال الرجل ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل فقال الضحاك ويلك أين الشرط * (التائبون العابدون) * الآية وهذا القول تحريج وتضييق والله أعلم والأول أصوب والشهادة ماحية لكل ذنب إلا لمظالم العباد وقد روي أن الله تعالى يحمل عن الشهيد مظالم العباد ويجازيهم عنه ختم الله لنا بالحسنى وقالت فرقة إن رفع التائبين إنما هو على الابتداء وما بعده صفة إلا قوله * (الآمرون) * فإنه خبر الابتداء كأنه قال هم الآمرون وهذا حسن إلا أن معنى الآية ينفصل من معنى التي قبلها وذلك قلق فتأمله وفي مصحف عبد الله بن مسعود التائبين العابدين إلى آخرها ولذلك وجهان أحدهما الصفة للمؤمنين على اتباع اللفظ والآخر النصب على المدح و * (التائبون) * لفظ يعم الرجوع من الشر إلى الخير كان ذلك من كفر أو معصية والرجوع من حالة إلى ما هي أحسن منها وإن لم تكن الأولى شرا بل خيرا وهكذا توبة النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره سبعين مرة في اليوم والتائب هو المقلع عن الذنب العازم على التمادي على الإقلاع النادم على ما سلف والتائب عن ذنب يسمى تائبا وإن قام على غيره إلا أن يكون من نوعه فليس بتائب والتوبة ونقضها دائبا خير من الإصرار ومن تاب ثم نقض ووافى على النقض فإن ذنوبه الأولى تبقى عليه لأن توبته منها علم الله أنها منقوضة ويحتمل الأمر غير ذلك والله أعلم.
وقال الحسن في تفسير الآية * (التائبون) * معناه من الشرك و * (العابدون) * لفظ يعم القيام بعبادة الله والتزام شرعه وملازمة ذلك والمثابرة عليه والدوام والعابد هو المحسن الذي فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»