المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٣٥
بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفارق شخصه مضجعه وأنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق من ربه عز وجل وجوزه الحسن وابن إسحاق والحديث قال القاضي أبو محمد مطول في البخاري ومسلم وغيرهما فلذلك اختصرنا نصه في هذا الباب وركوب البراق على قول هؤلاء يكون من جملة ما رأى في النوم قال ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن في كتاب الطبري البراق هو دابة إبراهيم الذي كان يزور عليه البيت الحرام.
قال القاضي أبو محمد يريد أن يجيء من يومه ويرجع وذلك من مسكنه بالشام والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ولو كانت منامة ما أمكن قريشا التشنيع ولا فضل أبو بكر بالتصديق ولا قالت له أم هاني لا تحدث الناس بهذا فيكذبوك إلى غير هذا من الدلائل واحتج لقول عائشة بقوله تعالى * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) * ويحتمل القول الآخر لأنه يقال لرؤية العين رؤيا واحتج أيضا بأن في بعض الأحاديث فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام وهذا محتمل أن يريد من الإسراء إلى نوم واعترض قول عائشة بأنها كانت صغيرة لم تشاهد ولا حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما معاوية فكان كافرا في ذلك الوقت غير مشاهد للحال صغيرا ولم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله * (سبحان) * مصدر غير متمكن لأنه لا يجري بوجوه الإعراب ولا تدخل عليه الألف واللام ولم يجر منه فعل وسبح إنما معناه قال سبحان الله فلم يستعمل سبح إلا إشارة إلى * (سبحان) * ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين وهو معرفة بالعلمية وإضافته لا تزيده تعريفا هذا كله مذهب سيبويه فيه وقالت فرقة قال القاضي أبو محمد نصبه على النداء كأنه قال يا سبحان قال القاضي أبو محمد الذي وهذا ضعيف ومعناه تنزيها لله وروى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما معنى سبحان الله قال تنزيها لله من كل سوء والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي هو من معناه لا من لفظه إذ يجر من لفظه فعل وذلك مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء فالتقدير عنده أنزه الله تنزيها فوقع * (سبحان) * مكان قولك تنزيها وقال قوم من المفسرين * (أسري) * فعل غير متعد عداه هنا بحرف جر تقول سرى الرجل وأسرى إذ سار بالليل بمعنى وقد ذكرت ما يظهر في اللفظ من جهة العقيدة وقرأ حذيفة وابن مسعود أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام وقوله من * (المسجد الحرام) * قال أنس بن مالك أراد المسجد المحيط بالكعبة نفسها ورجحه الطبري وقال هو الذي يعرف إذا ذكر هذا الاسم وروى الحسن بن أبي الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بينا أنا نائم في الحجر إذ جاءني جبريل والملائكة الحديث بطوله.
وروى قوم أن ذلك كان بين زمزم والمقام وروى مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكر عبد بن حميد الكشي في تفسيره عن سفيان الثوري أنه قال أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم من شعب أبي طالب وقال فرقة * (المسجد الحرام) * مكة كلها واستندوا إلى قوله تعالى * (لتدخلن المسجد الحرام) * وعظم المقصد هنا إنما هو مكة وروى بعض هذه الفرقة عن أم هاني أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في بيتي وروي بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خرج سقف بيتي وهذا يلتئم مع قول أم هاني وكان الإسراء فيما قال مقاتل قبل الهجرة بعام وقاله قتادة وقيل بعام ونصف قاله عروة عن عائشة وكان ذلك
(٤٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 ... » »»