للعموم والجهة الأخرى أن لفظ هذه الآية ليس بلفظ عموم بل لفظ مشترك يقع كثيرا للخصوص كقوله تعالى * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * وليس حكام المؤمنين إذا حكموا بغير الحق في أمر بكفرة بوجه وكقول الشاعر زهير بن أبي سلمى (ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه * يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم) الطويل وهذا إنما معناه الخصوص لأنه ليس كل من لا يظلم يظلم فهذه جهة أخرى تدل على أن العموم غير مترتب وما احتجوا به من قول زيد بن ثابت فليس كما ذكروه وإنما أراد زيد أن هذه الآية نزلت بعد سورة الفرقان ومراده باللينة قوله تعالى * (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * وإن كان المهدوي قد حكى عنه أنه قال أنزلت الآية * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) * بعد قوله تعالى * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * بأربعة أشهر فإذا دخله التخصيص فالوجه أن هذه الآية مخصوصة في الكافر يقتل المؤمن أما على ما روي أنها نزلت في شأن مقيس بن حبابة حين قتل أخاه هشام بن حبابة رجل من الأنصار فأخذ له رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية ثم بعثه مع رجل من فهر بعد ذلك في أمر ما فعدا عليه مقيس فقتله ورجع إلى مكة مرتدا وجعل ينشد (قتلت به فهرا وحملت عقله * سراة بني النجار أرباب فارع) (حللت به وتري وأدركت ثورتي * وكنت إلى الأوثان أول راجع) الطويل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أؤمنه في حل ولا في حرم) وأمر بقتله يوم فتح مكة وهو متعلق بالكعبة وأما أن يكون على ما حكى عن ابن عباس أنه قال * (متعمدا) * معناه مستحلا لقتله فهذا يؤول أيضا إلى الكفر وفي المؤمن الذي قد سبق في علم الله أنه يعذبه بمعصيته على ما قدمنا من تأويل فجزاؤه أن جازاه ويكون قوله * (خالدا) * إذا كانت في المؤمن بمعنى باق مدة طويلة على نحو دعائهم للملوك بالتخليد ونحو ذلك ويدل على هذا سقوط قوله أبدا فإن التأبيد لا يقترن بالخلود إلا في ذكر الكفار واختلف العلماء في قبول توبة القاتل فجماعة على أن لا تقبل توبته وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وكان ابن عباس يقول الشرك والقتل مبهمان من مات عليهما خلد وكان يقول هذه الآية مدنية نسخت الآية التي في الفرقان إذ الفرقان مكية والجمهور على قبول توبته وروي عن بعض العلماء أنهم كانوا يقصدون الإغلاظ والتخويف أحيانا فيطلقون لا تقبل توبة القاتل منهم ابن شهاب كان إذا سأله من يفهم منه أنه قد قتل قال له توبتك مقبولة وإذا سأله من لم يفعل قال له لا توبة للقاتل ومنهم ابن عباس وقع عنه في تفسير عبد بن حميد أن رجلا سأله أللقاتل توبة فقال له لا توبة للقاتل وجزاؤه جهنم فلما مضى السائل قال له أصحابه ما هكذا كنا نعرفك تقول إلا أن للقاتل التوبة فقال لهم إني رأيته مغضبا وأظنه يريد أن يقتل فقاموا فطلبوه وسألوا عنه فإذا هو كذلك وذكر هبة الله في كتاب الناسخ والمنسوخ له أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وقال هذا إجماع الناس إلا ابن عباس وابن عمر فإنهما قالا هي محكمة
(٩٥)