وقال الربيع * (السلم) * هاهنا الصلح وكذا قرأته عامة القراء وقرأ الجحدري السلم بسكون اللام وقرأ الحسن السلم بكسر السين وسكون اللام فمعنى جملة هذه الآية خذوا المنافقين الكافرين واقتلوهم حيث وجدتموهم إلا من دخل منهم في عداد من " بينكم وبينه ميثاق " والتزم مهادنتكم أو من جاءكم وقد كره قتالكم وقتال قومه وهذا بفضل الله عليكم ودفاعه عنكم لأنه لو شاء * (لسلط) * هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المتاركة عليكم * (فلقاتلوكم) * فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم فلا سبيل لكم عليهم وهذا والذي في سورة الممتحنة من قوله تعالى * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) * منسوخ بما في سورة براءة قاله قتادة وابن زيد وغيرهما قوله تعالى سورة النساء 91 لما وصف الله تعالى فيما تقدم صفة المحقين في المتاركة المجدين في إلقاء السلم نبه على طائفة مخادعة مبطلة مبطنة كانوا يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم يقولون لهم نحن معكم وعلى دينكم ويقولون أيضا للمسلمين إذا وفدوا وأرسلوا نحن معكم وعلى دينكم خبثة منهم وخديعة قيل كانت أسد وغطفان بهذه الصفة وقيل نزلت في نعيم بن مسعود الأشجعي كان ينقل بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار الأخبار وقيل نزلت في قوم يجيئون من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم رياء يظهرون الإسلام ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون ففضح الله تعالى هؤلاء وأعلم أنهم على غير صفة من تقدم وقوله * (إلى الفتنة) * معناه إلى الاختبار حكي أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم فيقال لأحدهم قل ربي الخنفساء وربي العود وربي العقرب ونحوه فيقولها ومعنى * (أركسوا) * رجعوا رجح ضلالة أي أهلكوا في الاختيار بما واقعوه من الكفر وقرأ عبد الله بن مسعود ركسوا بضم الراء من غير ألف وحكاه عنه أبو الفتح بشد الكاف على التضعيف والخلاف في * (السلم) * حسبما تقدم وهذه الآية حض على قتل هؤلاء المخادعين إذا لم يرجعوا عن حالهم إلى حال الآخرين المعتزلين الملقين للسلم قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله وتأمل فصاحة الكلام في أن سياقه في الصيغة المتقدمة قبل هذه سياق إيحاب الاعتزال وإيجاب إلقاء السلم ونفي المقاتلة إذ كانوا محقين في ذلك معتقدين له وسياقه في هذه الصيغة المتأخرة سياق نفي الاعتزال ونفي إلقاء السلم إذ كانوا مبطلين فيه مخادعين والحكم سواء على السياقين لأن الذين لم يجعل الله عليهم سبيلا لو لم يعتزلوا لكان حكمهم حكم هؤلاء الذين جعل عليهم سلطان مبين وكذلك هؤلاء الذين عليهم السلطان إذ لم يعتزلوا لو اعتزلوا لكان حكمهم حكم الذين لا سبيل عليهم ولكنهم بهذه العبارة تحت القتل إن لم يعتزلوا
(٩١)