المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٠
وقال عطاء بن أبي رباح وغيره الهدي والإطعام بمكة والصوم حيث شئت وقوله تعالى * (أو عدل ذلك صياما) * قرأ الجمهور بفتح العين ومعناه نظير الشيء بالموازنة والمقدار المعنوي وقرأ ابن عباس وطلحة بن مصرف والجحدري أو عدل بكسر العين قال أبو عمرو الدانىء ورواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض الناس العدل بالفتح قدر الشيء من غير جنسه وعدله بالكسر قدره من جنسه نسبها مكي إلى الكسائي وهو وهم والصحيح عن الكسائي أنهما لغتان في المثل وهذه المنسوبة عبارة معترضة وإنما مقصد قائلها أن العدل بالكسر قدر الشيء موازنة على الحقيقة كعدلي البعير وعدله قدره من شيء آخر موازنة معنوية كما يقال في ثمن فرس هذا عدله من الذهب ولا يتجه هنا كسر العين فيما حفظت والإشارة بذلك في قوله * (عدل ذلك) * يحتمل أن تكون إلى الطعام وعلى هذا انبنى قول من قال من الفقهاء الفقهاء الأيام التي تصام هي على عدد الأمداد أو الأصوع أو أنصافها حسب الخلاف الذي قد ذكرته في ذلك ويحتم أن تكون الإشارة ب " بذلك " إلى الصيد المقتول وعلى هذا انبنى قول من قال من العلماء الصوم في قتل الصيد إنما هو على قدر المقتول وقال ابن عباس رضي الله عنه إن قتل المحرم ظبيا فعليه شاة تذبح بمكة فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وإن قتل أيلا فعليه بقرة فإن لم يجد فإطعام عشرين مسكينا فإن لم يجد صام عشرين يوما وإن قتل نعامة أو حمار وحش فعليه بدنة فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا فإن لم يجد صام ثلاثين يوما قال القاضي أبو محمد وقد تقدم لابن عباس رضي الله عنه قول غير هذا آنفا حكاهما عنه الطبري مسندين ولا ينكر أن يكون له في هيئة التكفير قولان وقال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى * (أو عدل ذلك صياما) * قال يصوم ثلاثة أيام إلى عشرة وقوله تعالى * (ليذوق وبال أمره) * الذوق هنا مستعار كما قال تعالى * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * وكما قال * (فأذاقها الله لباس الجوع) * وكما قال أبو سفيان ذق عقق وحقيقة الذوق إنما هي في حاسة السان وهي في هذا كله مستعارة فيما بوشر بالنفس والوبال سوء العاقبة والمرعى الوبيل هو الذي يتأذى به بعد أكله وعبر بأمره عن جميع حاله من قتل وتكفير وحكم عليه ومضي ماله أو تعبه بالصيام واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى * (عفا الله عما سلف) * فقال عطاء بن أبي رباح وجماعة معه معناه عفا الله عما سلف في جاهليتكم من قتلكم الصيد في الحرمة ومن عاد الآن في الإسلام فإن كان مستحيلا فينتقم الله منه في الآخرة ويكفر في ظاهر الحكم وإن كان عاصيا فالنقمة هي في إلزام الكفارة فقط قالوا وكلما عاد المحرم فهو مكفر قال القاضي أبو محمد ويخاف المتورعون أن تبقى النقمة مع التكفير وهذا هو قول الفقهاء مالك ونظائره وأصحابه رحمهم الله وقال ابن عباس رضي الله عنه المحرم إذا قتل مرارا ناسيا لإحرامه فإنه يكفر في كل مرة فأما المتعمد العالم بإحرامه فإنه يكفر أول مرة وعفا الله عن ذنبه مع التكفير فإن عاد ثانية فلا يحكم عليه ويقال له ينتقم الله منك كما قال الله وقال بهذا القول شريح القاضي وإبراهيم النخعي ومجاهد وقال سعيد بن جبير رخص في قتل الصيد مرة فمن عاد لم يدعه الله حتى ينتقم منه
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»