المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٥٥
أوتيتم إلا لمن تبع دينكم وجاء بمثله وعاضدا له فإن ذلك لا يؤتاه غيركم * (أو يحاجوكم عند ربكم) * بمعنى إلا أن يحاجوكم كما تقول أنا لا أتركك أو تقتضيني حقي وهذا القول على هذا المعنى ثمرة التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم على اعتقاد منهم أن النبوة لا تكون إلا في بني إسرائيل ويحتمل الكلام أن يكون معناه ولا تؤمنوا بمحمد وتقروا بنبوته إذ قد علمتم صحتها إلا لليهود الذين هم منكم و * (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) * صفة لحال محمد فالمعنى تستروا بإقراركم ان قد أوتي أحد مثل ما أوتيتم أو فإنهم يعنون العرب يحاجوكم بالإقرار عند ربكم أنه قال أبو علي و * (تؤمنوا) * تعدى بالباء المقدرة في قوله * (أن يؤتى) * كما تعدى أول الآية في قوله * (بالذي أنزل) * واللام في قوله * (لمن اتبع) * لا يسهل أن تعلق ب * (تؤمنوا) * وأنت قد أوصلته بالباء فتعلق بالفعل جارين كما لا يستقيم أن تعديه إلى مفعولين إذا كان لا يتعدى إلا إلى واحد وإنما يحمل أمر هذه اللام على المعنى والمعنى لا تقروا بأن الله يؤتي أحدا مثل ما أوتيتم إلا لمن فهذا كما تقول أقررت لزيد بألف فتكون اللام متعلقة بالمعنى ولا تكون زائدة على حد * (إن كنتم للرؤيا تعبرون) * يوسف 43 ولا تتعلق على حد المفعول أنه قال أبو علي وقد تعدى آمن باللام في قوله * (فما آمن لموسى إلا ذرية) * يونس 83 وقوله * (آمنتم له) * طه 71 الشعراء 49 وقوله * (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) * التوبة 61 واحد إنما دخل في هذا الكلام بسبب النفي الواقع في أوله قوله * (لا تؤمنوا) * كما دخلت من في قوله * (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم) * البقرة 105 فكما دخلت من في صلة أن ينزل لأنه مفعول النفي اللاحق لأول الكلام فكذلك دخل * (أحد) * في صلة أن في قوله * (أن يؤتى أحد) * لدخول النفي في أول الكلام قال القاضي وهذا لأن أحدا الذي فيه الشياع لا يجيء في واجب من الكلام لأنه لا يفيد معنى وقرأ ابن كثير وحده بين السبعة آن يؤتى بالمد على جهة الاستفهام الذي هو تقرير وفسر أبو علي قراءة ابن كثير على أن الكلام كله من قول الطائفة إلا الاعتراض الذي هو * (قل إن الهدى هدى الله) * فإنه لا يختلف أنه من قول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه قال فلا يجوز مع الاستفهام أن يحمل * (أن يؤتى) * على ما قبله من الفعل لأن الاستفهام قاطع فيجوز أن تكون أن في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف تقديره تصدقون به أو تعترفون أو تذكرونه لغيركم ونحو هذا مما يدل عليه الكلام ويكون * (يحاجوكم) * على هذا معطوفا على * (أن يؤتى) * أنه قال أبو علي ويجوز أن يكون موضع أن منصوبا فيكون المعنى أتشيعون أو أتذكرون * (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) * ويكون ذلك بمعنى قوله تعالى عنهم * (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) * البقرة 76 فعلى كلا الوجهين معنى الآية توبيخ من الأحبار للأتباع على تصديقهم بأن محمدا نبي مبعوث ويكون قوله تعالى * (أو يحاجوكم) * في تأويل نصب أن أي أو تريدون أن يحاجوكم قال أبو علي و * (أحد) * على قراءة ابن كثير هو الذي يدل على الكثرة وقد منع الاستفهام القاطع من أن يشفع لدخوله النفي الذي في أول الكلام فلم يبق إلا أن يقدر أن أحدا الذي في قولك أحد وعشرون وهو يقع في الإيجاب لأنه بمعنى واحد وجمع ضميره في قوله * (أو يحاجوكم) * حملا على المعنى إذ لأحد المراد بمثل النبوة اتباع فهو في معنى الكثرة أنه قال أبو علي وهذا موضع
(٤٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»