المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٥٢
الله فخرج من عنده فلقي عالما من النصارى فقاوله بمثل مقاولة اليهودي إلا أن النصراني أنه قال بنصيبك من لعنة الله فخرج من عنده وقد اتفقا له على دين إبراهيم فلم يزل رافعا يديه إلى الله وقال اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم وروى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنه قال (لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم) ثم قرأ * (إن أولى الناس بإبراهيم) * الآية سورة آل عمران 69 - 71 أخبر الله تعالى عن طائفة أنها تود وتشتهي أن تضل المسلمين أي تتلفهم عن دينهم وتجعلهم في ضلال ثم فسر الطائفة بقوله * (من أهل الكتاب) * فتحتمل " من " أن تكون للتبعيض وتكون الطائفة الرؤساء والأحبار الذين يسكن الناس إلى قولهم ويحتمل أن تكون لبيان الجنس وتكون الطائفة جميع أهل الكتاب وقال الطبري * (يضلونكم) * معناه يهلكونكم واستشهد ببيت جرير (كنت القذى في موج أخضر مزبد * قذف الأتي به فضل ضلالا) وقول النابغة (فآب مضلوه بعين جلية *) الطويل وهذا تفسير غير خاص باللفظة وإنما اطرد له هذا الضلال في الآية وفي البيتين اقترن به هلاك وأما أن تفسر لفظة الضلال بالهلاك فغير قويم قوله تعالى * (وما يضلون إلا أنفسهم) * إعلام بأن سوء فعلهم عائد عليهم وأنهم ببعدهم عن الإسلام هم الضالون ثم أعلم أنهم لا يشعرون أنهم لا يصلون إلى إضلالكم ثم وقفهم تعالى موبخا لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم والمعنى قل لهم يا محمد لأي سبب تكفرون بآيات الله التي هي آية القرآن وأنتم تشهدون أن أمره وصفة محمد الذي هو الآتي به في كتابكم أنه قال هذا المعنى قتادة وابن جريج والسدي وتحتمل الآية أن يريد بالآيات ما ظهر على يدي محمد صلى الله عليه وسلم من تعجيز العرب والإعلام بالغيوب وتكلم الجماعات وغير ذلك و * (تشهدون) * على هذا يكون بمعنى تحضرون وتعاينون والتأويل الأول أقوى لأنه روي أن أهل الكتاب كانوا قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم يخبرون بصفة النبي الخارج وحاله فلما ظهر كفروا به حسدا فإخبارهم المتقدم لظهوره هو الشهادة التي وقفوا عليها أنه قال مكي وقيل إن هذه الآيات عني بها قريظة والنضير وبنو قينقاع ونصارى نجران
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»