المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٤٢
قبل هذه الآية متروك به يتم اتساق الآيات تقديره فجاء عيسى عليه السلام كما بشر الله به فقال جميع ما ذكر لبني إسرائيل * (فلما أحس) * ومعنى أحس علم من جهة الحواس بما سمع من أقوالهم في تكذيبه ورأى من قرائن الأحوال وشدة العداوة والإعراض يقال أحسست بالشيء وحسيت به أصله حسست فأبدلت إحدى السينين ياء " والكفر " هو التكذيب به وروي أنه رأى منهم إرادة قتله فحينئذ طلب النصر والضمير في * (منهم) * لبني إسرائيل وقوله تعالى * (أنه قال من أنصاري إلى الله) * عبارة من حال عيسى في طلبه من يقوم بالدين ويؤمن بالشرع ويحميه كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ويتعرض للأحياء في المواسم وهذه الأفعال كلها وما فيها من أقوال يعبر عنها يقال * (من أنصاري إلى الله) * ولا شك أن هذه الألفاظ كانت في جملة أقواله للناس والأنصار جمع نصير كشهيد وأشهاد وغير ذلك وقيل جمع ناصر كصاحب وأصحاب وقوله * (إلى الله) * يحتمل معنيين أحدهما من ينصرني في السبيل إلى الله فتكون * (إلي) * دالة على الغاية دلالة ظاهرة على بابها والمعنى الثاني أن يكون التقدير من يضيف نصرته إلى نصرة الله لي فيكون بمنزلة قوله * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * النساء 1 فإذا تأملتها وجدت فيها معنى الغاية لأنها تضمنت إضافة شيء إلى شيء وقد عبر عنها ابن جريج والسدي بأنها بمعنى مع ونعم إن مع تسد في هذه المعاني مسد إلى لكن ليس يباح من هذا أن يقال إن * (إلي) * بمعنى مع حتى غلط في ذلك بعض الفقهاء في تأويل قوله تعالى * (وأيديكم إلى المرافق) * المائدة 6 فقال * (إلي) * بمعنى مع وهذه عجمة بل * (إلي) * في هذه الآية غاية مجردة وينظر هل يدخل ما بعد إلى فيما قبلها من طريق آخر و * (الحواريون) * قوم مر بهم عيسى عليه السلام فدعاهم إلى نصره واتباع ملته فأجابوه وقاموا بذلك خير قيام وصبروا في ذات الله وروي أنه مر بهم وهم يصطادون السمك واختلف الناس لم قيل لهم * (الحواريون) * فقال سعيد بن جبير سموا بذلك لبياض ثيابهم ونقائها وقال أبو أرطأة سموا بذلك لأنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها وقال قتادة الحواريون أصفياء الأنبياء الذين تصلح لهم الخلافة وقال الضحاك نحوه قال الفقيه الإمام أبو محمد وهذا تقرير حال القوم وليس بتفسير اللفظة وعلى هذا الحد شبه النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمته بهم في قوله وحواري الزبير والأقوال الأولى هي تفسير اللفظ إذ هي من الحور وهو البياض حورت الثوب بيضته ومنه الحواري وقد تسمي العرب النساء الساكنات في الأمصار الحواريات لغلبة البياض عليهن ومنه قول أبي جلدة اليشكري (فقل للحواريات يبكين غيرنا * ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح) وحكى مكي أن مريم دفعت عيسى عليه السلام في صغره في أعمال شتى وكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وهم الذين يقصرون الثياب ثم يصبغونها فأراهم آيات وصبغ لهم ألوانا شتى من ماء واحد وقرأ
(٤٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 ... » »»