المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٤٠
عباس أيضا وقتادة * (الأكمه) * الذي يولد أعمى مضموم العين قال القاضي وقد كان عيسى عليه السلام يبرئ بدعائه ومسح يده كل علة ولكن الاحتجاج على بني إسرائيل في معنى النبوة لا يقوم إلا بالإبراء من العلل التي لا يبرئ منها طبيب بوجه فليس يتخلص من هذه الأقوال في * (الأكمه) * إلا القول الأخير إذ * (الأكمه) * في اللغة هو الأعمى وكمهت العين عميت ولولا ضبط اللغة لكان القول الذي حكى النقاش حسنا في معنى قيام الحجة به * (والأبرص) * معروف وهو داء لا يبرأ منه إذا تمكن وروي في إحيائه الموتى أنه كان يضرب بعصاه الميت أو القبر أو الجمجمة فيحيي الإنسان ويكلمه وروي أنه أحيى سام بن نوح عليه السلام وروي أن الذي كان يحييه كانت تدوم حياته وروي أنه كان يعود لموته سريعا وفي قصص الإحياء أحاديث كثيرة لا يوقف على صحتها وإحياء الموتى هي آيته المعجزة المعرضة للتحدي وهي بالمعنى متحدى بها وإن كان لم ينص على التحدي بها وآيات عيسى عليه السلام إنما تجري فيما يعارض الطب لأن علم الطب كان شرف الناس في ذلك الزمان وشغلهم وحينئذ أثيرت فيه العجائب فلما جاء عيسى عليه السلام بغرائب لا تقتضيها الأمزجة وأصول الطب وذلك إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص علمت الأطباء أن هذه القوة من عند الله وهذا كأمر السحرة مع موسى والفصحاء مع محمد عليه السلام ووقع في التواريخ المترجمة عن الأطباء أن جالينوس كان في زمن عيسى عليه السلام وأنه رحل إليه من رومية إلى الشام ليلقاه فمات في طريقه ذلك واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى * (وأنبئكم) * الآية فقال السدي وسعيد بن جبير وابن إسحاق ومجاهد وعطاء كان عيسى من لدن طفولته وهو في الكتاب يخبر الصبيان بما يفعل آباؤهم في منازلهم وبما يؤكل من الطعام ويدخر حتى أنه قال بنو إسرائيل لأبنائهم لا تخالطوا هذا الساحر وكذلك إلى أن نبىء فكان يقول لكل من سأله عن هذا المعنى أكلت البارحة كذا وادخرت كذا أنه قال ابن إسحاق وكان معلمه يريد أن يعلمه الشيء فيسبقه إليه عيسى فيتعجب معلمه من ذلك ويذكره للناس وقال قتادة معنى الآية إنما هو في نزول المائدة عليهم وذلك أنها لما أنزلت أخذ عليهم عهدا أن يأكلوا ولا يخبىء أحد شيئا ولا يدخره ويحمله إلى بيته فخانوا وجعلوا يخبئون من ثمار الجنة وطعامها الذي كان ينزل على المائدة فكان عيسى عليه السلام يخبر كل أحد عما أكل وعما ادخر في بيته من ذلك وعوقبوا على ذلك وما في قوله " يما تأكلون " يحتمل أن تكون بمعنى الذي وتحتمل المصدرية وكذلك * (وما تدخرون) * وقرأ الجمهور تدخرون بدال مشددة وخاء مكسورة وهو تفتعلون من ذخرت أصله تذخرون استثقل النطق بالذال والتاء لتقاربهما في المخرج فأبدلت التاء دالا وأدغمت الذال في الدال كما صنع في مدكر ومطلع بمعنى مضطلع وغير ذلك نحو قول الشاعر زهير (إن الكريم الذي يعطيك نائله * عفوا ويظلم أحيانا فيطلم) البسيط بالطاء غير منقوطة وقرأ الزهري ومجاهد وأيوب السختياني وأبو السمال تدخرون بدال ساكنة وخاء مفتوحة وقوله * (إن في ذلك) * إشارة إلى ما ذكر من الإحياء والإبراء والإنباء وفي مصحف ابن
(٤٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»