علمه فيستقيم على قوله إخراج الراسخين من علم تأويله لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح بل الصحيح في ذلك قول من أنه قال المحكم ما لا يحتمل إلا تأويلا واحدا والمتشابه ما احتمل من التأويل أوجها وهذا هو متبع أهل الزيغ وعلى ذلك يترتب النظر الذي ذكرته ومن أنه قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون تأويل المتشابه فإنما أرادوا هذا النوع وخافوا أن يظن أحد أن الله وصف الراسخين بعلم التأويل على الكمال وكذلك ذهب الزجاج إلى أن الإشارة بما تشابه منه إنما هي إلى وقت البعث الذي أنكره وفسر باقي الآية على ذلك فهذا أيضا تخصيص لا دليل عليه وأما من يقول إن المتشابه هو المنسوخ فيستقيم على قوله إدخال الراسخين في علم التأويل لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك وقرأ أبي بن كعب وابن عباس إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به وقرأ ابن مسعود وابتغاء تأويله إن تأويله إلا عند الله * (والراسخون في العلم) * يقولون * (آمنا به) * والرسوخ الثبوت في الشيء وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل أو الشجر في الأرض وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الراسخين في العلم فقال هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام وقوله * (كل من عند ربنا) * فيه ضمير عائد على كتاب الله محكمه ومتشابهه والتقدير كله من عند ربنا وحذف الضمير لدلالة لفظ كل عليه إذ هي لفظة تقتضي الإضافة ثم أنه قال تعالى " وما يذكر إلا أولو الألباب " أي ما يقول هذا ويؤمن به ويقف حيث وقف ويدع اتباع المتشابه إلا ذو لب وهو العقل و * (أولو) * جمع ذو سورة آل عمران 8 - 9 يحتمل أن تكون هذه الآية حكاية عن الراسخين في العلم أنهم يقولون هذا مع قولهم * (آمنا به) * آل عمران 7 ويحتمل أن يكون المعنى منقطعا من الأول لما ذكر أهل الزيغ وذكر نقيضهم وظهر ما بين الحالتين عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في أن لا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهي أهل الزيغ وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم إن الله لا يضل العباد ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعي في دفع ما لا يجوز عليه فعله و * (تزغ) * معناه تمل قلوبنا عن الهدى والحق وقرأ أبو واقد والجراح " ولا تزغ قلوبنا " بإسناد الفعل إلى القلوب وهذه أيضا رغبة إلى الله تعالى وقال أبو الفتح ظاهر هذا ونحوه الرغبة إلى القلوب وإنما المسؤول الله تعالى وقوله الرغبة إلى القلوب غير متمكن ومعنى الآية على القراءتين أن لا يكن منك خلق الزيغ فيها فتزيغ هي قال الزجاج وقيل إن معنى الآية لا تكلفنا عبادة ثقيلة تزيغ منها قلوبنا قال الفقيه الإمام وهذا قول فيه التحفظ من خلق الله تعالى الزيغ والضلالة في قلب أحد من العباد و * (من لدنك) * معناه من عندك ومن قبلك أي تكون تفضلا لا عن سبب منا ولا عمل وفي هذا
(٤٠٤)