المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٤٣
وقوله تعالى * (ليس البر) * الآية قرأ أكثر السبعة برفع الراء والبر اسم ليس أنه قال أبو علي ليس بمنزلة الفعل فالوجه أن يليها الفاعل ثم المفعول قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه مذهب أبي علي أن * (ليس) * حرف والصواب الذي عليه الجمهور أنها فعل وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص ليس البر بنصب الراء جعل * (إن تولوا) * بمنزلة المضمر إذ لا يوصف كما لا يوصف المضمر والمضمر أولى أن يكون اسما يخبر عنه وفي مصحف أبي ابن كعب وعبد الله بن مسعود " ليس البر بأن تولوا " وقال الأعمش إن في مصحف عبد الله لا تحسبن البر وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما الخطاب بهذه الآية للمؤمنين فالمعنى ليس البر الصلاة وحدها وقال قتادة والربيع الخطاب لليهود والنصارى لأنهم اختلفوا في التوجه والتولي فاليهود إلى بيت المقدس والنصارى إلى مطلع الشمس وتكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليها فقيل لهم ليس البر ما أنتم فيه ولكن البر من آمن بالله قرأ قوم ولكن البر بشد النون ونصب البر وقرأ الجمهور ولكن البر والتقدير ولكن البر بر من وقيل التقدير ولكن ذو البر من وقيل * (البر) * بمنزلة اسم الفاعل تقديره ولكن البار من والمصدر إذا أنزل منزلة اسم الفاعل فهو ولا بد محمول على حذف مضاف كقولك رجل عدل ورضى والإيمان التصديق أي صدق بالله تعالى وبهذه الأمور كلها حسب مخبرات الشرائع وقوله تعالى * (وآتى المال على حبه) * الآية هذه كلها حقوق في المال سوى الزكاة وبها كمال البر وقيل هي الزكاة و * (أتي) * معناه أعطى والضمير في * (حبه) * عائد على * (المال) * فالمصدر مضاف إلى المفعول ويجيء قوله * (على حبه) * اعتراضا بليغا أثناء القول ويحتمل أن يعود الضمير على الإيتاء أي في وقت حاجة من الناس وفاقة فإيتاء المال حبيب إليهم ويحتمل أن يعود على اسم الله تعالى من قوله * (من آمن بالله) * أي من تصدق محبة في الله تعالى وطاعاته ويحتمل أن يعود على الضمير المستكن في * (أتي) * أي على حبه المال فالمصدر مضاف إلى الفاعل والمعنى المقصود أن يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو شحيح صحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى كما أنه قال صلى الله عليه وسلم قال القاضي أبو محمد والشح في هذا الحديث هو الغريزي الذي في قوله تعالى * (وأحضرت الأنفس الشح) * النساء 128 وليس المعنى أن يكون المتصدق متصفا بالشح الذي هو البخل و * (ذوي القربى) * يراد به قرابة النسب واليتم في الآدميين من قبل الأب قبل البلوغ وقال مجاهد وغيره * (ابن السبيل) * المسافر لملازمته السبيل قال القاضي أبو محمد وهذا كما يقال ابن ماء للطائر الملازم للماء ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة ابن زنى أي الملازم له وقيل لما كانت السبيل تبرزه شبه ذلك بالولادة فنسب إليها وقال قتادة * (ابن السبيل) * الضيف والأول أعم و * (في الرقاب) * يراد به العتق وفك الأسرى وإعطاء أواخر الكتابات و * (أقام الصلاة) * أتمها بشروطها وذكر الزكاة هنا دليل على أن ما تقدم ليس
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»