المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢١٨
أعلم الله تعالى في هذه الآية أنهم سيقولون في شأن تحول المؤمنين من الشام إلى الكعبة * (ما ولاهم) * و * (السفهاء) * هم الخفاف الأحلام والعقول والسفه الخفة والهلهلة ثوب سفيه أي غير متقن النسج ومنه قول ذي الرمة (مشين كما اهتزت رماح تسفهت * أعاليها مر الرياح النواسم) الطويل أي استخفتها وخص بقوله * (من الناس) * لأن السفه يكون في جمادات وحيوانات والمراد ب * (السفهاء) * هنا جميع من أنه قال * (ما ولاهم) * وقالها فرق واختلف في تعيينهم فقال ابن عباس قالها الأحبار منهم وذلك أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ما ولاك عن قبلتنا ارجع إليها ونؤمن بك يريدون فتنته وقال السدي قالها بعض اليهود والمنافقون استهزاء وذلك أنهم قالوا اشتاق الرجل إلى وطنه وقالت طائفة قالها كفار قريش لأنهم قالوا ما ولاه عن قبلته ما رجع إلينا إلا لعلمه أنا على الحق وسيرجع إلى ديننا كله و * (ولاهم) * معناه صرفهم والقبلة فعلة هيئة المقابل للشيء فهي كالقعدة والإزرة وجعل المستقبل موضع الماضي في قوله * (سيقول) * دلالة على استدامة ذلك وأنهم يستمرون على ذلك القول ونص ابن عباس وغيره أن الآية نزلت بعد قولهم وقوله تعالى * (قل لله المشرق والمغرب) * إقامة حجة أي له ملك المشارق والمغارب وما بينهما ويهدي من يشاء إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الأمة إلى قبلة إبراهيم والصراط الطريق واختلف العلماء هل كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بأمر من الله تعالى في القرآن أو بوحي غير متلو فذكر ابن فورك عن ابن عباس أنه قال أول ما نسخ من القرآن القبلة وقال الجمهور بل كان أمر قبلة بيت المقدس بوحي غير متلو وقال الربيع خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في النواحي فاختار بيت المقدس ليستألف بها أهل الكتاب ومن أنه قال كان بوحي غير متلو أنه قال كان ذلك ليختبر الله تعالى من آمن من العرب لأنهم كانوا يألفون الكعبة وينافرون بيت المقدس وغيره واختلف كم صلى إلى بيت المقدس ففي البخاري ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وروي عن أنس بن مالك تسعة أو عشرة أشهر وروي عن غيره ثلاثة عشر شهرا وحكى مكي عن إبراهيم بن إسحاق أنه أنه قال أول أمر الصلاة أنها فرضت بمكة ركعتين في أول النهار وركعتين في آخره ثم كان الإسراء ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ففرضت الخمس وأم فيها جبريل عليه السلام وكانت أول صلاة الظهر وتوجه بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ربيع الأول وتمادى إلى بيت المقدس إلى رجب من سنة اثنتين وقيل إلى جمادى وقيل إلى نصف شعبان وقوله تعالى * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * الكاف متعلقة بالمعنى الذي في قوله * (يهدي من يشاء) *
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»