المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ١٧٢
المعنى واذكروا إذ أخذنا وقال مكي رحمه الله هذا هو الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجوا من صلب آدم كالذر وهذا ضعيف إنما هو ميثاق أخذ عليهم وهم عقلاء في حياتهم على لسان موسى عليه السلام وغيره من أنبيائهم عليهم السلام وأخذ الميثاق قول فالمعنى قلنا لهم * (لا تعبدون) * وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي لا يعبدون بالياء من أسفل وقرأ الباقون بالتاء من فوق حكاية ما قيل لهم وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود لا تعبدوا على النهي قال سيبويه * (لا تعبدون) * متعلق لقسم والمعنى وإذ استخلفناكم والله لا تعبدون وقالت طائفة تقدير الكلام بأن لا تعبدوا إلا الله ثم حذفت الباء ثم حذفت أن فارتفع الفعل لزوالها " فلا تعبدون " على هذا معمول لحرف النصب وحكي عن قطرب أن * (لا تعبدون إلا الله) * في موضع الحال أي أخذنا ميثاقهم موحدين وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير ونظام الآية يدفعه مع كل قراءة وقال قوم * (لا تعبدون إلا الله) * نهي في صيغة خبر ويدل على ذلك أن في قراءة أبي لا تعبدوا والباء في قوله * (وبالوالدين) * قيل هي متعلقة بالميثاق عطفا على الباء المقدرة أولا على قول من أنه قال التقدير بأن لا تعبدوا وقيل تتعلق بقوله و * (إحسانا) * والتقدير قلنا لهم لا تعبدون إلا الله وأحسنوا إحسانا بالوالدين ويعترض هذا القول بأن المصدر قد تقدم عليه ما هو معمول له وقيل تتعلق الباء بأحسنوا المقدر والمعنى وأحسنوا بالوالدين إحسانا وهذا قول حسن وقدم اللفظ * (بالوالدين) * تهمما فهو نحو قوله تعالى * (إياك نعبد) * الفاتحة 5 وفي الإحسان تدخل أنواع بر الوالدين كلها * (وذي القربى) * عطف على الوالدين و * (القربى) * بمعنى القرابة وهو مصدر كالرجعي والعقبى وهذا يتضمن الأمر بصلة الرحم * (واليتامى) * جمع يتيم كنديم وندامى واليتم في بني آدم فقد الأب وفي البهائم فقد الأم وقال عليه السلام لا يتم بعد بلوغ وحكى الماوردي أن اليتيم في بني آدم في فقد الأم وهذا يتضمن الرأفة باليتامى وحيطة أموالهم * (والمساكين) * جمع مسكين وهو الذي لا شيء له لأنه مشتق من السكون وقد قيل إن المسكين هو الذي له بلغة من العيش وهو على هذا مشتق من السكن وهذا يتضمن الحض على الصدقة والمواساة وتفقد أحوال المساكين وقوله تعالى * (وقولوا للناس حسنا) * أمر عطف على ما تضمنه * (لا تعبدون إلا الله) * وما بعده من معنى الأمر والنهي أو على أحسنوا المقدر في قوله * (وبالوالدين) * وقرأ حمزة والكسائي حسنا بفتح الحاء والسين أنه قال الأخفش هما بمعنى واحد كالبخل والبخل أنه قال الزجاج وغيره بل المعنى في القراءتين وقولوا قولا حسنا بفتح السين أو قولا ذا حسن بضم الحاء وقرأ قوم حسنى مثل فعلى ورده سيبويه لأن أفعل وفعلى لا تجيء إلا معرفة إلا أن يزال عنها معنى التفضيل وتبقى مصدرا كالعقبى فذلك جائز وهو
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»