وقوله تعالى * (وأنتم تعلمون) * جملة في موضع الحال ولم يشهد لهم تعالى بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من واقعه على علم وأنه أعصى من الجاهل * (وأقيموا الصلاة) * معناه أظهروا هيئتها وأديموها بشروطها وذلك تشبيه بإقامة القاعد إلى حال ظهور ومنه قول الشاعر (وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا * حتى تقيم الخيل سوق طعان) الكامل وقد تقدم القول في الصلاة و * (الزكاة) * في هذه الآية هي المفروضة بقرينة إجماع الأمة على وجوب الأمر بها و * (الزكاة) * مأخوذة من زكا الشيء إذا نما وزاد وسمي الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه من حيث ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثيب الله به المزكي وقيل * (الزكاة) * مأخوذة من التطهير كما يقال زكا فلان أي طهر من دنس الجرحة أو الاغفال فكأن الخارج من المال يطهره من تبعة الحق الذي جعل الله فيه للمساكين ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى في الموطأ ما يخرج في الزكاة أوساخ الناس وقوله تعالى * (واركعوا مع الراكعين) * أنه قال قوم جعل الركوع لما كان من أركان الصلاة عبارة عن الصلاة كلها وقال قوم إنما خص الركوع بالذكر لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع وقالت فرقة إنما أنه قال * (مع) * لأن الأمر بالصلاة أولا لم يقتض شهود الجماعة فأمرهم بقوله * (مع) * بشهود الجماعة والركوع في اللغة الانحناء بالشخص قال لبيد (أخبر أخبار القرون التي مضت * أدب كأني كلما قمت راكع) الطويل ويستعار أيضا في الانحطاط في المنزلة أنه قال الأضبط بن قريع (لا تعاد الضعيف علك أن تركع * يوما والدهر قد رفعه) الخفيف وقوله تعالى * (أتأمرون الناس) * خرج مخرج الاستفهام ومعناه التوبيخ والبر يجمع وجوه الخير والطاعات ويقع على كل واحد منها اسم بر * (وتنسون) * بمعنى تتركون كما أنه قال الله تعالى * (نسوا الله فنسيهم) * التوبة 67 واختلف المتأولون في المقصود بهذه الآية فقال ابن عباس كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلديهم باتباع التوراة وكانوا هم يخالفونها في جحدهم منها صفة محمد صلى الله عليه وسلم وقالت فرقة كان الأحبار إذا استرشدهم أحد من العرب في اتباع محمد دلوه على ذلك وهم لا يفعلونه
(١٣٦)