يسمعني فيخرجني ثم قال إن الذي عاهدته يراني ويسمعني والله لا تكلمت بحرف لبشر ثم لم يلبث إلا يسيرا إذ مر بتلك البئر نفر فلما رأوه على حاشية الطريق قالوا إنه لينبغي سد هذه البئر ثم قطعوا خشبا ونصبوها على فم البئر وغطوها بالتراب فلما رأى ذلك أبو حمزة قال هذه مهلكة فأراد أن يستغيث بهم ثم قال والله لا أخرج منها أبدا ثم رجع إلى نفسه فقال أليس الذي عاهدت يرى ذلك كله فسكت وتوكل ثم استند في قعر البئر مفكرا في أمره فإذا بالتراب يقع عيه والخشب يرفع عنه؛ وسمع في أثناء ذلك من يقول هات يدك قال فأعطيته يدي فأقلني في مرة واحدة إلى فم البئر فخرجت ولم أر أحدا ثم سمعت هاتفا يقول كيف رأيت ثمرة التوكل؟ وأنشد (نهاني حيائي منك أن أكتم الهوى * وأغنيتني بالعلم منك عن الكشف) (تلطفت في أمري فأبديت شاهدي * إلى غائبي واللطف يدرك باللطف) (تراءيت لي بالعلم حتى كأنما * تخبرني بالغيب أنك في كفي) (أراني وبي من هيبتي لك وحشة * فتؤنسي باللطف منك وبالعطف) (وتحيي محبا أنت في الحب حتفه * وذا عجب كون الحياة مع الحتف) فهذا رجل عاهد الله فوجد الوفاء على التمام والكمال؛ فبه فاقتدوا تهتدوا الآية الرابعة قوله تعالى (* (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) *) [الآية 35] فيها مسألتان المسألة الأولى قوله (* (أكلها دائم) *)) بضم الهمزة في الأكل يعني به المأكول لا الفعل وصف الله طعام الجنة بأنه غير مقطوع ولا ممنوع وطعام الدنيا ينقطع ويمنع فيمتنع
(٨٤)