المسألة السادسة في هذه دليل على رجوع القاضي عما حكم به إذا تبين له أن الحق في غيره وهكذا في رسالة عمر إلى أبي موسى فأما أن ينظر قاض فيما حكم به قاض فلا يجوز له لأن ذلك يتداعى إلى ما لا آخر له وفيه مضرة عظمى من جهة نقض الأحكام وتبديل الحلال بالحرام وعدم ضبط قوانين الإسلام ولم يتعرض أحد من الخلفاء إلى نقض ما رآه الآخر وإنما كان يحكم بما يظهر إليه المسألة السابعة قال بعض الناس إن داود لم يكن أنفذ الحكم وظهر له ما قال غيره وقال آخرون لم يكن حكما وإنما كانت فتيا فأما القول بأن ذلك من داود كان فتيا فهو ضعيف لأنه كان النبي وفتياه حكم وأما قوله الآخر إنه لم يكن أنفذ الحكم فظهر له ما قال غيره فهو ضعيف لأنه قال (* (إذ يحكمان) *) فبين أن كل واحد منهما كان قد حكم على أنه قد قيل إن الفتيا حكم وهو صحيح لفظا وفي بعض المعنى لأنه يلزم المقلد قوله ولا يلزم المجتهد قول غيره وقد قيل إن الله أوحى أن الحكم حكم سليمان فعلى هذا كان القضاء من الله وكل ذلك محتمل وهذا كله مبني على أن الأنبياء يجوز لهم الحكم بالاجتهاد وهي المسألة الثامنة وقد بينا في كتاب التمحيص أن اجتهادهم صحيح لأنه دليل شرعي فلا إحالة في أن يستدل به الأنبياء فإن قيل إنما يكون دليلا إذا عدم النص وهم لا يعدمونه لأجل نزول الملك قلنا إذا لم ينزل الملك فقد عدموا النص جواب آخر وذلك أنه عندنا دليل مع عدم النص وعندهم هو دليل مع وجوده والله أعلم
(٢٦٦)