تفسير النسفي - النسفي - ج ٣ - الصفحة ٣٤٠
فاطر (18 - 15)) في كل نفس وخطرة ولحظة وكيف لا ووجودهم به وبقاؤهم به * (والله هو الغني) * عن الأشياء أو جمع * (الحميد) * المحمود بكل لسان ولم يسمهم بالفقراء للتحقير بل للتعريض على الاستغناء ولهذا وصف نفسه بالغنى الذي هو مطعم الأغنياء وذكر الحميد ليدل به على أنه الغنى النافع بغناه خلقه والجواد المنعم عليهم إذ ليس كل غنى نافعا بغناه إلا إذا كان الغنى جوادا منعما وإذا جاد وانعم حمده المنعم عليهم قال سهل لما خلق الله الخلق حكم لنفسه بالغنى ولهم بالفقر فمن ادعى الغنى حجب عن الله ومن أظهر فقره أوصله فقره إليه فينبغي للعبد أن يكون مفتقرا بالسر إليه ومنقطعا عن الغير إليه حتى تكون عبوديته محضة فالعبودية هي الذل والخضوع وعلامته أن لا يسأل من أحد وقال الواسطي من استغنى بالله لا يفتقر ومن تعزز بالله لا يذل وقال الحسين على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غنيا بالله وكلما ازداد افتقارا ازداد غنى وقال يحيى الفقر خير للعبد من الغنى لأن المذلة في الفقر والكبر في الغنى والرجوع إلى الله بالتواضع والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال وقيل صفة الأولياء ثلاثة الثقة بالله في كل شيء والفقر إليه في كل شيء والرجوع إليه من كل شئ وقال الشبلي الفقر يجر البلاء وبلاؤه كله عز * (إن يشأ يذهبكم) * كلكم إلى العدم فان غناه بذاته لابكم في القدم * (ويأت بخلق جديد) * وهو بدون حمدكم حميد * (وما ذلك) * الانشاء والافناء * (على الله بعزيز) * بممتنع وعن ابن عباس يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئا * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ولا تحمل نفس آثمة اثم نفس أخرى والوزر والوقر اخوان ووزر الشئ إذا حمله والوازرة صفة للنفس والمعنى ان كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته لا تؤاخذ نفس بذنب نفس كما تأخذ جبابره الدنيا الولي بالولي والجار بالجار وإنما قيل وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر آخرى لأن المعنى ان النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلا حاملة وزرها لا وزر غيرها وقوله ليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وارد في الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال اضلال الناس مع أثقال ضلالهم وذلك كله أوزارهم ما فيها شئ من وزر غيرهم ألا ترى كيف كذبهم الله تعالى في قولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم بقوله وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ * (وإن تدع مثقلة) * أي نفس مثقلة بالذنوب أحدا * (إلى حملها) * ثقلها أي ذنوبها ليتحمل عنها بعض ذلك * (لا يحمل منه شيء ولو كان) * أي المدعو وهو مفهوم من قوله وان تدع * (ذا قربى) * ذا قرابة قريبة كأب أو ولد أو أخ والفرق بين معنى قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى ومعنى وان تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ان الأول دال على عدل الله في حكمه وان لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها والثاني في بيان أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث حتى أن نفسا قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث وإن كان
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»