* (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا (59) وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا) * * قوله تعالى: * (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) الآية. فإن قال قائل: كيف يجوز ألا يرسل الله الآيات لأن الأولين كذبوا بها؟ وما وجه الامتناع عن إرسال الآيات بتكذيب الأولين؟ والسؤال معروف، وهو مشكل. والجواب من وجهين: أحدهما: أن ' إلا ' محذوف، ومثله قول الشاعر:
(وكل أخ مفارقه أخوه * لعمرو أبيك إلا الفرقدان) ومعناه: وما منعنا من إرسال الآيات وإن كذب بها الأولون، يعني: أن تكذيب الأولين لا يمنعنا من إرسال الآيات.
والجواب الثاني - وهو المعروف - وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحها الكفار، فإنه قالوا للنبي: اجعل لنا الصفا ذهبا، أو بعد عنا هذه الجبال لنزرع الأراضي.
وقوله: * (إلا أن كذب بها الأولون) معنى الاستثناء في إهلاك الأولين حين كذبوا بالآيات المقترحة، وقد حكمنا أن هذه الأمة ممهلة في العذاب، قال الله تعالى: * (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) وتلخيص الجواب: أن الأولين اقترحوا الآيات فلما أعطوا كذبوها فأهلكوا، فلو أعطينا هؤلاء الآيات المقترحة وكذبوا بها عاجلناهم بالعذاب، وقد حكمنا بإمهالهم، والدليل على صحة هذا الجواب أنه قال: * (وآتينا ثمود الناقة مبصرة) أي: آية نيرة مضيئة، أو آية يبصر بها الحق، وقوله: * (فظلموا بها) أي: كذبوا بها، فعوجلوا بالعقوبة. فهذا هو المراد، وإن كان غير مذكور.
وقوله: * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) أي: تحذيرا.
قوله تعالى: * (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) قال مجاهد أي هم في قبضته. قال الحسن: حال بينهم وبين أن يقتلوك أو يكيدوك بغير القتل. فهذا معنى الإحاطة.