* (تكليما (164) رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (165) لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون) * * قال الفراء، وثعلب: إن العرب تسمى ما توصل إلى الإنسان: كلاما، بأي طريق وصل إليه، ولكن لا تحققه بالمصدر، فإذا حقق الكلام بالمصدر، لم تكن إلا حقيقة الكلام، وهذا كالإرادة، يقال: أراد فلان إرادة، فيكون حقيقة الإرادة، ولا يقال: أراد الجدار أن يسقط إرادة، وإنما يقال: أراد الجدار، من غير ذكر المصدر؛ لأنه مجاز، فلما حقق الله كلامه موسى بالتكليم، عرف أنه حقيقة الكلام من غير واسطة، قال ثعلب: وهذا دليل من قول الفراء أنه ما كان يقول بخلق القرآن.
فإن قال قائل: بأي شئ عرف موسى أنه كلام الله؟ قيل: بتعريف الله - تعالى - إياه، وإنزال آية عرف موسى بتلك الآية أنه كلام الله - تعالى -، وهذا مذهب أهل السنة أنه سمع كلام الله حقيقة، بلا كيف، وقال وائل بن داود: معنى قوله: * (وكلم الله موسى تكليما) أي: مرارا، كلاما بعد كلام.
قوله - تعالى -: * (رسلا مبشرين ومنذرين) أي: أرسلنا رسلا * (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وهذا دليل على أن الله - تعالى - لا يعذب الخلق قبل بعثه الرسل، وهذا معنى قوله: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقال - تعالى - * (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى).
* (وكان الله عزيزا) أي: مقتدرا على معاونة الخلق (حكيما) ببعث الرسل. وفي حديث أبي الدرداء أنه قال: ' سألت رسول الله عن عدد الأنبياء فقال: مائة وأربعة وعشرون ألفا، فقلت: كم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر [جما غفيرا] '.