تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ٣٢٧
الأخبار، ثم اختلفوا في تأويلها، فروى أبو الجوزاء عن ابن عباس قال: (فمنكم مؤمن يكفر، ومنكم كافر يؤمن).
وقال أبو سعيد الخدري: (فمنكم كافر حياته مؤمن في العاقبة، ومنكم مؤمن حياته كافر في العاقبة)، وقال الضحاك: فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السر، كافر في العلانية كعمار وذويه. فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب، يعني في شأن الأنوار.
قال الزجاج: وأحسن ما قيل فيها " * (هو الذي خلقكم فمنكم كافر) *) بأن الله خلقه، وهو مذهب أهل الدهر والطبائع. " * (ومنكم مؤمن) *) بأن الله خلقه.
وجملة القول في حكم هذه الآية ومعناها والذي عليه جمهور الأمة والأئمة والمحققون من أهل السنة هي أن الله خلق الكافر وكفره فعلا له وكسبا، وخلق المؤمن وإيمانه فعلا له وكسبا، فالكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله سبحانه إياه؛ لأن الله سبحانه وتعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه، والمؤمن يؤمن ويختار الإيمان بعد خلق الله تعالى إياه؛ لأن الله سبحانه أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه، ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهم غير الذي قدره الله عليه وعلمه منه، لأن وجود خلاف المقدور عجز، وخلاف المعلوم جهل، وهما لا يليقان بالله تعالى، ولا يجوزان عليه، ومن سلك هذا السبيل سلم من الجبر والقدر فأصاب الحق كقول القائل:
يا ناظرا في الدين ما الأمر لا قدر صح ولا جبر وقد أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد العمدة السرخسي قال: حدثنا عبد الله بن مبشر الواسطي قال: حدثنا أحمد بن منصور الزيادي قال: سمعت سيلان يقول: قدم أعرابي البصرة فقيل له: ما تقول في القدر؟ قال: أمر تغالت فيه الظنون، واختلف فيه المختلفون، فالواجب علينا أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه.
* (خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير) * * (يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور) *) * * (ألم يأتكم نبؤا الذين كفروا من قبل) *) يعني الأمم الخالية " * (فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم) *) * (ذلك العذاب) * * (بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا) *) لأن البشر وإن كان لفظه واحد فإنه في معنى الجمع وهو اسم الجنس وواحده إنسان ولا واحد له من لفظه.
" * (فكفروا وتولوا واستغنى الله) *) عن إيمانهم " * (والله غني) *) عن خلقه، " * (حميد) *) في أفعاله
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»