تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ٢٥٤
فلما نزلت هذه الآيات وتلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (هل تستطيع أن تعتق رقبة؟). قال: إذن يذهب مالي كله. الرقبة غالية وأنا قليل المال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟). قال: والله يا رسول الله، إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرات كل بصري وخشيت أن تعشو عيني. قال: (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟). قال: لا والله، إلا أن تعينني على ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني معينك بخمسة عشر صاعا، وأنا داع لك بالبركة).
فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا واجتمع لهما أمرهما. فذلك قوله: " * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم) *)، قد ذكرنا اختلاف القراء في هذا الحرف في سورة الأحزاب.
" * (ما هن أمهاتهم) *) قرأ العامة بخفض التاء ومحله نصب، كقوله سبحانه: " * (ما هذا بشرا) *). وقيل: (بأمهاتهم). وقرأ المفضل بضم التاء. " * (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) *) أي كذبا، والمنكر: الذي لا تعرف صحته. * (وإن الله لعفو غفور) * * (والذين يظاهرون من نسائهم) *)، اعلم أن الألفاظ التي يصير المرء بها مظاهرا على ضربين: صريح، وكناية. فالصريح هو أن يقول: أنت علي كظهر أمي، وكذلك إذا قال: أنت علي كبطن أمي أو كرأس أمي أو كفرج أمي، وهكذا إذا قال: فرجك أو رأسك أو ظهرك أو صدرك أو بطنك أو يدك أو رجلك علي كظهر أمي، فإنه يصير مظاهرا، وكل ذلك محل قوله: يدك أو رجلك أو رأسك أو بطنك طالق فإنها تطلق، والخلاف في هذه المسألة بين الفريقين كالخلاف في الطلاق.
ومتى ما شبهها بأمه أو بإحدى جداته من قبل أبيه وأمه كان ذلك ظهارا بلا خلاف. وإن شبهها بغير الأم والجدة من ذوات المحارم التي لا تحل له بحال كالإبنة والأخت والعمة والخالة ونحوها، كان مظاهرا على الصحيح من المذاهب. فصريح الظهار هو أن يشبه زوجته أو عضوا من أعضائها بعضو من أعضاء أمه، أو أعضاء واحدة من ذوات محارمه.
والكناية أن يقول: أنت علي كأمي، أو مثل أمي أو نحوها، فإنه يعتبر فيه نيته. فإن أراد ظهارا كان مظاهرا وإن لم ينو الظهار لا يصر مظاهرا. وكل زوج صح طلاقه صح ظهاره، سواء كان عبدا أو حرا أو ذميا أو دخل بالمرأة أو لم يدخل بها، أو كان قادرا على جماعها أو عاجزا عنه. وكذلك يصح الظهار من كل زوجة، صغيرة كانت أو كبيرة، أو عاقلة أومجنونة، أو رتقاء أو سليمة، أو صائمة أو محرمة، أو ذمية، أو مسلمة، أو في عدة يملك رجعتها.
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»