واستدلوا بهذه الآية على منع الجنب والحائض والمحدث من مس المصحف وحمله، وقالوا: لا يجوز لأحد حمل المصحف ولا مسه حتى يكون على صفة يجوز له الصلاة. قال: هذا مذهب جمهور الفقهاء إلا إن أبا حنيفة لا يمنع من حمله بعلاقة ومسه بحائل. والاختيار أنه ممنوع منه، لأنه إذا حمله في جلده فإنما حمله بحائل ومع هذا يمنع منه.
وذهب الحكم وحماد وداود بن علي إلى أنه لا بأس بحمل المصحف ومسه على أي صفة كانت سواء كان طاهرا أو غير طاهر، مؤمنا أو كافرا. إلا أن داود قال: لا يجوز للمشرك حمل المصحف.
والدليل على أنه لا يحمل المصحف ولا يمسه إلا طاهرا ما روى أبو بكر محمد بن عمرو ابن جرم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن كتب في كتابه ألا يحمل المصحف ولا يمسه إلا طاهر.
وروى سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر).
ولأن به إجماع الصحابة.
وروي أن عليا سئل: أيمس المحدث المصحف؟ قال: (لا).
وروي أن مصعب بن سعد بن أبي وقاص كان يقرأ من المصحف فأدخل يده فحك ذكره فأخذ أبوه المصحف من يده. وقال: قم فتوضأ ثم خذه، ولا مخالف لهما في الصحابة.
وقال عطاء " * (لا يمسه إلا المطهرون) *) قال: لا يقلب الورق من المصحف إلا المتوضىء. واستدل المبيحون بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وفيه " * (بسم الله الرحمان الرحيم قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) *) الآية.
وأجاز الفقهاء ذلك إذا دعته ضرورة أو حمله عذر عليه، وأما الصبيان فلا صحابنا فيه وجهان:
أحدهما: أنهم يمنعون منه كالبالغين.
والثاني: أنهم لا يمنعون، لمعنيين: أحدهما: أن الصبي لو منع ذلك أدى إلى ألا يتلقن القرآن ولا يتعلمه ولا يحفظه، لأن وقت تعلمه وحفظه حال الصغر.