تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ١٩
الله قربانا آلهة) *) يعني الأوثان، قال الكسائي: القربان كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من طاعة، ونسكة، والجمع قرابين، كالرهبان والرهابين.
" * (بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم) *) أي كذبهم الذي كانوا يقولون: إنها تقربهم إلى الله تعالى، وتشفع لهم عنده. وقرأ ابن عباس وابن الزبير " * (ذلك إفكهم) *) بفتح (الألف) و (الفاء) على الفعل، أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد. وقرأ عكرمة " * (إفكهم) *) بتشديد (الفاء) على التأكيد والتفسير. قال أبو حاتم: يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم. ودليل قراءة العامة قوله: " * (وما كانوا يفترون) *).
" * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) *) الآية. قال المفسرون: لما مات أبو طالب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف يلتمس ثقيف النصرة، والمنعة له من قومه، فروى محمد بن أحمد عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي، قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم اخوة ثلاثة: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب، بنو عمر بن عمير، عندهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم، فدعاهم إلى الله تعالى وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه.
فقال أحدهم، هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله تعالى أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحد يرسله غيرك؟ وقال الثالث: والله لا أكلمك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقال لهم: (إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموه).
وكره رسول الله أن يبلغ قومه عنه فيديرهم عليه ذلك، فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم، وعبيدهم يسبونه، ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة، وشيبة ابني ربيعة، هما فيه، ورجع عنه سفهاء ثقيف.
ولقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة من بني جمح، فقال لها: (ماذا لقينا من أحمائك؟).
فلما اطمئن رسول الله، قال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري. إن لم يكن بك علي غضب، فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع، وأعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، ويحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، لا حول، ولا قوة إلا بك).
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»