فقال سليمان: فقد أبدلك الله به ملكا هو أعظم من ملكه، وسلطانا أعظم من سلطانه، وهداك للإسلام وهو خير من ذلك كله.
قالت: إن ذلك لكذلك، ولكنني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن، فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشيا، لرجوت أن يذهب ذلك حزني، وأن يسلى عني بعض ما أجد في نفسي.
فأمر سليمان الشياطين فقال: مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لاتنكر منه شيئا.
فمثلوا لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه، إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته، وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس، ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدوا عليه في ولائدها حتى تسجد له ويسجدن معها كما كانت تصنع به في ملكه، وتروح كل عشية بمثل ذلك، وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحا وبلغ ذلك آصف بن برخيا، وكان صديقا وكان لا يرد عن باب سليمان أي ساعة أراد دخول شيء من بيوته، حاضرا كان (سليمان) أو غائبا، فأتاه فقال: يا نبي الله كبرت سني، ودق عظمي، ونفد عمري، وقد حان مني الذهاب، وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت، أذكر فيه من مضى من أنبياء الله، وأثني عليهم بعلمي فيهم، وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم.
فقال: إفعل.
فجمع له سليمان الناس، فقام فيهم خطيبا، فذكر من مضى من أنبياء الله، فأثنى على كل نبي بما فيه وذكر ما فضله الله به، حتى انتهى إلى سليمان فقال: ما كان أحلمك في صغرك، وأورعك في صغرك، وأفضلك في صغرك، وأحكم أمرك في صغرك، وأبعدك من كل ما يكره في صغرك، ثم انصرف.
فوجد سليمان في نفسه من ذلك حتى ملأه غضبا، فلما دخل سليمان داره أرسل إليه فقال: يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله، وأثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم، فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري، وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري فما الذي أحدثت في آخر عمري؟
قال: إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة.
فقال: في داري؟
فقال: في دارك.
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد علمت أنك ما قلت الذي قلت إلا عن شيء بلغك.
ثم رجع سليمان إلى داره فكسر ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم أمر بثياب