يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا، ثم يعرج إليه الأمر والتدبير، ويرجع يعود إليه بعد انقضاء الدنيا وفنائها " * (في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) *) وهو يوم القيامة.
وأما قوله: " * (خمسين ألف سنة) *) فإنه أراد على الكافر، جعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة، وعلى المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في دار الدنيا. ويجوز أن يكون ليوم القيامة أول وليس له آخر وفيه أوقات شتى بعضها ألف سنة وبعضها خمسين ألف سنة. ويجوز أن يكون هذا إخبار عن شدته وهوله ومشقته لان العرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر، وإلى هذا التأويل ذهب جماعة من المفسرين.
وروي عبد الرزاق عن ابن جريح قال: أخبرني ابن أبي مليكة قال: دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية، فقال له ابن عباس: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان، فقال عبد الله بن عباس: أيام سماها الله لا أدري ما هي، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم. قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر حتى دخلت على سعيد بن المسيب فسئل عنها فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك ما حضرت من ابن عباس، فأخبرته، فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني.
قوله: " * (ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه) *) قرأ نافع وأهل الكوفة (خلقه) بفتح اللام على الفعل، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ثم قالا: لسهولتها في المعنى وهي قراءة سعيد بن المسيب. وقرأ الآخرون بسكون اللام. قال الأخفش: هو على البدل ومجازه: الذي أحسن خلق كل شيء.
قال ابن عباس: أتقنه وأحكمه، ثم قال: أما إن أست القرد ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها. وقال قتادة: حسنه. مقاتل: علم كيف يخلق كل شيء، من قولك فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه.
" * (وبدأ خلق الانسان) *) يعني آدم (عليه السلام) * * (من طين ثم جعل نسله) *) ذريته " * (من سلالة) *) من نطفة، سميت بذلك لانها تنسل من الإنسان، أي تخرج، ومنه قيل للولد: سلالة. وقال ابن عباس: وهي صفو الماء " * (من ماء مهين) *) ضعيف " * (ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون وقالوا) *) يعني منكري البعث، " * (أءذا ضللنا في الارض) *) أي أهلكنا وبطلنا وصرنا ترابا، وأصله من قول العرب: ضل الماء في اللبن إذا ذهب، ويقال: أضللت الميت أي دفنته. قال الشاعر